كذلك أري أن تكون هناك دورات ورحلات أكثر لتعريف الشباب بوطنهم، وهذا هو الطريق الصحيح لبناء الشخصية الوطنية، فعندما نعرف الوطن، نحبه ونعمل من أجله ونفديه بأرواحنا لا ينكر أحد أهمية الشباب ودورهم في بناء المجتمع ونهضته، ولكن أعتقد أننا لم نتوصل بعد الي تعريف لجملة مهمة نطلقها من حين لآخر، وهي تمكين الشباب. ماذا نريد أن نفعل بهم وماذا يريدون هم. لقد نقلنا لهم أمراض الكبار، الانقسام والتحزيب والتشتت. ووصفناهم بالأطهار والمنقذين للأمة وتركناهم في بحر من الجمل الرنانة والوعود البراقة وكأن الأمر استيعاب لهم فقط، بدون خطة أو رؤية واضحة. عندما كنا في عمر الشباب كان طموحنا هو الوظيفة التي نأكل منها عيش ونبني بها مستقبلنا ونكون أسرة. كانت هذه أحلام الشباب وأعتقد أنها ما زالت هي نفس أحلام الجيل الحالي. ولكن لماذا تم جرهم الي السياسة، هل السياسة هي أكل العيش بالنسبة لهم. وإذا كانت كذلك فقد ضللناهم وأبعدناهم عن الطريق الصحيح. أتذكر في الستينيات أغنية لمغن أمريكي عندما قال لابنه أنا رجل عجوز ولكني أعرف مشاعر الشباب لأني كنت شابا في يوم من الأيام، ولكنك لا تعرف مشاعر الكبار لأنك لم تصل بعد الي سنهم، فدعنا نعزف معا... انت تلعب ألحان المستقبل وأنا أغني أغاني الماضي. لقد كررت هذه الأغنية في عدة مقالات ولكنني أري أنها توصف حالتنا اليوم.. التقيت في جولة أخيرة في محافظة الأقصر ومحافظة سوهاج بمجموعات من الشباب ووجدت أنهم لديهم حيرة كبيرة بين الشعارات والواقع ولديهم حيرة أكبر حول دورهم في البرلمان القادم وفي المحليات. لقد رفعنا آمالهم ومستوي طموحاتهم بدون أن نقدم لهم الوسيلة أو حتي التواصل معهم. السياسة لا يجب ان تكون وسيلة لكسب الرزق أو مهنة للشباب، حتي وظائف معاوني الوزير أو مثل هذه الوظائف التي تستوعب جموع الشباب المصري الذي يقف علي أبواب الأمل والذي ستكون غضبته كبيرة وكاسحة إذا تحطمت آماله. أين الأمل وهو الوظيفة الدائمة سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، أعتقد أن هذا يجب أن يكون شغلنا الشاغل. العمل الذي يطمئن به علي مستقبله ثم بعد ذلك الانخراط في العمل السياسي. لن تكون السياسة هي الملجأ للجميع، لن تستطيع استيعابهم. كما أنهم يجب ألا يتحركوا مثل الكبار في فراغ كله انقسامات وخلافات وللأسف لقد دخلوا هذه الدائرة المفرغة التي ستؤدي الي فشل نواياهم الطيبة. وأصارحكم بأن هذه المشكلة لا نسمع عنها في أي دولة في العالم، خلقناها وجسمناها وأصبحت مشكلة وهي ليست بمشكلة. التطور الطبيعي أننا ندرس ثم نعمل ونتقدم في عملنا الي أن نصل الي تحقيق أهدافنا، ولكن صنعنا المشكلة وأصبح الشاب لديه طموح في أن يبدأ من حيث انتهينا وهذا الأمر لا يعرفه العالم. صحيح أن هناك وزراء في بعض الدول عمرهم لم يتجاوز الثلاثين عاما، ولكن النظام السياسي في هذه الدول يختلف وبالتالي هناك مجموعة محدودة تصل الي هذه المناصب وتكون مؤهلة ومدربة ولا يؤخذ هذا الأمر كمقياس يجب أن نلتزم به أو نتشبه به. الأمر يتطلب الاتصال والتواصل بين الأجيال، ثم التدريب والتأهيل، ثم الاعداد النفسي حتي نبعد عن التعالي والمظهرية والانخراط في الفساد. ويسبق هذا قدر من التعليم الجيد المتميز. أما بالنسبة للشباب فلن تكون السياسة وسيلة للهروب من البطالة ليس هذا هو الهدف، ومن يحاول ترسيخ ذلك فقد وقع في خطأ كبير يفسد جيلا كاملا من شباب مصر. البحث عن عمل والتقدم فيه هو الركيزة لمستقبل أفضل. والحين يقال ان وزارة الشباب تقوم بدور مهم وفاعل في التدريب والتثقيف ومحاولة جمع الشباب ووضعهم في الطريق الصحيح. وكانت إحدي المناسبات المهمة والشيقة قد أقامت ندوة للباحثين الشباب، أعتقد انها كانت خطوة مهمة لإلقاء الضوء علي جهود الشباب وتشجيعهم للمضي في هذا الطريق المهم وهو البحث العلمي. كذلك أري أن تكون هناك دورات ورحلات أكثر لتعريف الشباب بوطنهم، وهذا هو الطريق الصحيح لبناء الشخصية الوطنية، فعندما نعرف الوطن، نحبه ونعمل من أجله ونفديه بأرواحنا. لقد كانت إحدي المدارس المهمة لبناء شخصية الشباب في الماضي القريب هي الانخراط في الجندية، وأعني بذلك دخول الجيش في مرحلة التجنيد. ستظل القوات المسلحة هي المدرسة الأولي للوطنية المصرية، والبوتقة اللازمة لصهر الشباب من مختلف المحافظات في بوتقة حب الوطن. أرجو اننا ونحن علي مشارف الانتخابات البرلمانية ألا نحبط الشباب، لأني شعرت خلال جولتي الأخيرة في الأقصروسوهاج ثم الاسكندرية انهم قلقون من نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة وذلك لاحساسهم أنهم لا يملكون المال اللازم لخوض الانتخابات، وخوفهم من تكرار نفس الوجوه التي تسعي بقوة للعودة للبرلمان وكأنه وظيفة من لا وظيفة له. قد تكون النتائج القادمة مخيبة لآمال الشباب وتطلعاتهم وهذا أمر خطير، وبالتالي تقع علينا مسئولية كبيرة، وأقصد من نطلق عليهم النخبة، لذا أقترح أن تكون القائمة الوطنية التي يسعي البعض لتكوينها أن تكون كلها من الشباب، بمعني أن تضم الفئات التي نص عليها الدستور ويكونوا كلهم شبابا. أي أن الأقباط ومتحدي الاعاقة والمرأة والمصريين في الخارج وغيرهم من الفئات التي تسعي القائمة الي ضمهم أن يكونوا من الشباب. أعتقد أن ذلك ليس مخالفا للدستور. من هنا نكون قد حاولنا أن نساعدهم ونقضي علي مخاوفهم ونستوعب قلقهم. كذلك أناشد الشباب بألا يتفرقوا في عدة أحزاب شبابية ويحاولوا أن يكونوا كتلة حزبية صلبة تعدهم للمستقبل بعيدا عن أمراض التشتت التي أصابت الكبار. كانت اللقاءات الأخيرة كاشفة، ودلت علي أن هناك حيرة، قد تصل الي أمر قد يمزق المجتمع أكثر، وهو صراع الأجيال. علينا أن نترفق بهم في تضخيم الأمر وزيادة الوعود، علينا أن نعطيهم آمالا حقيقية لا تبعد عن أرض الواقع. علينا أن نشجعهم علي العمل من أجل الرزق، وخلق فرص لهم تعطيهم قدرا أكبر من الثقة في المستقبل. أما شبابنا فهو يريد التواصل الدائم لا يريد أن ينعزل عن المجتمع بل أن يكون في قلب الوطن. أتمني لهم التوفيق في الانتخابات القادمة وما زلت أتذكر عندما كانت مصر تكتب دستورها، اقترحت أن يكون هناك برلمان للشباب بدلا من مجلس الشوري، ويكون بمثابة الأكاديمية الجديدة لتدريب الشباب واعدادهم للعمل السياسي وأن يكونوا أعضاء في البرلمان في المستقبل ولكن لم يصل الاقتراح الي أحد. والآن أعلم أن هناك جهودا لاحياء فكرة مفوضية الشباب وهو اقتراح جيد ولكن قد يعصف به انقسام الشباب في تكتلات مختلفة لا تستطيع الوصول الي تجانس سياسي يدفع أعمال هذه المفوضية. لذا قد يكون الاقتراح العملي هو أن نطلب من الشباب أنفسهم مقترحاتهم.