أثار التقرير الذي كشفت عنه لجنة شئون المخابرات بمجلس الشيوخ الأمريكي جدلا واسعا داخل الولاياتالمتحدة وخارجها بعدما فضح ممارسات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في استجواب المشتبه بهم في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001, والتي اشتملت علي انتهاج أساليب للتعذيب بحق الخاضعين للاستجواب. وقال نائب الرئيس الأمريكي «جو بايدن» – «لقد ارتكبنا خطأ ونحن نعترف به». كما انتقد السيناتور الجمهوري البارز «جون ماكين» ما كشفه التقرير قائلا :»لا يتعلق الأمر بأعدائنا.. انه يتعلق بنا نحن.. يتعلق بما كنا عليه وما نريد ان نكون في المستقبل». وفي الكونجرس أيضا أعرب أعضاء جمهوريون عن الأسف لنشر التقرير محذرين من خطورة استخدام تفاصيله من قبل «أعداء أمريكا», وان يثير نشره ردود فعل انتقامية مماثلة لتلك التي ظهرت في أعقاب الكشف عن فضيحة التعذيب في سجن «أبو غريب» العراقي في عام 2004. وكان تقرير المجلس قد كشف عن ان الرئيس السابق «جورج بوش» لم يعلم بأمر أساليب التعذيب التي طبقتها وكالة المخابرات المركزية (سي آي ايه) في تحقيقاتها مع 119 مشتبها به اعتقلتهم في «مواقع سوداء» (وهي سجون سرية أقيمت في دول اخري لم يتم تحديدها ولكنها تشمل علي ما يبدو تايلاند وافغانستان ورومانيا وبولندا وليتوانيا) - الا في ابريل 2006 اي بعد أربع سنوات من بدئها, وقد أبدي «انزعاجه» لدي اطلاعه علي «صورة معتقل معلقا إلي السقف بسلاسل». وخلص التقرير إلي أن الاستجواب لم يسمح بإحباط تهديدات وشيكة بتنفيذ اعتداءات. واستعرض التقرير مجموعة تفاصيل مقززة لعمليات التعذيب التي خضع لها المعتقلون, من إيهامهم بالغرق إلي تركهم لأيام في ظلام دامس إلي وضعهم في مواجهة الحائط او وضعهم في مياه مثلجة إلي حرمانهم من النوم لأسبوع كامل. وبحسب التقرير فقد تم تهديد معتقل واحد بواسطة سلك كهربائي في حين اخضع خمسة معتقلين علي الاقل بالقوة لعمليات «تزويد بالسوائل عن طريق الشرج». وكان مسؤولون سابقون في «سي آي ايه» قد أنشأوا موقعا الكترونيا للرد علي حملة الانتقادات العنيفة التي طالتهم اثر نشر تقرير المجلس. والموقع الذي يحمل اسم «سي آي ايه سيفد لايفز دوت كوم» (سي آي ايه أنقذت أرواحا) يمثل خطوة في مجال العلاقات العامة غير معهودة من جانب عملاء في المخابرات, وهو لا يهدف إلي التشكيك في لجوء الوكالة إلي تقنيات استجواب قاسية بل علي العكس من ذلك يهدف إلي اثبات فعالية هذه التقنيات في انها أنقذت ارواحا. وأكد مؤسسو الموقع وهم «مجموعة من قدامي المسؤولين في السي آي ايه» ان برنامج الاستجواب «سمح به بالكامل مسؤولون كبار في البيت الابيض ومجلس الامن القومي ووزارة العدل». وكان مدير الوكالة «جون برينان» قد أقر بأن الجهاز الأمني ارتكب أخطاء لكن ذلك «سمح بمنع وقوع اعتداءات وبإنقاذ أرواح». ويقول الرئيس السابق بوش ونائبه «ديك تشيني» انهم «يتحملون مسئولياتهم» وقد كثفوا المداخلات مؤخرا للدفاع عن قراراتهم. وكانت السفارات الأمريكية قد حذرت رعايا البلاد في كل من أفغانستان وباكستان وتايلاند من احتمال تعرضهم لهجمات أو أعمال عنف نتيجة لصدور التقرير. وكان التقرير قد كشف ان «سي اي ايه» دفعت لبولندا أموالا لتكون أكثر مرونة بشأن سجن سري تابع ل»سي اي ايه» علي أراضيها. وأعلنت النيابة العامة في «كراكوف» جنوب بولندا أمس انها ستطلب الحصول علي نسخة من تقرير مجلس الشيوخ حول أساليب التعذيب, وذلك في اطار تحقيقها حول مشاركة البلاد في استضافة سجون سرية أمريكية علي أراضيها. وعلي صعيد ردود الفعل الخارجية, قال خبير «بن ايمرسون» المقرر الخاص للأمم المتحدة في مجال حقوق الانسان ومكافحة الارهاب إن تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي يكشف عن «سياسة واضحة نسقت علي مستوي عال داخل إدارة بوش», مشددا علي ان واشنطن ملزمة بموجب القانون الدولي بإحالة المسؤولين الأمريكيين - الذين أمروا بارتكاب جرائم تعذيب المعتقلين - للقضاء. وفي بكين حثت وزارة الخارجية الصينيةالولاياتالمتحدة أمس إلي «تصحيح أساليبها», مؤكدة ان «الصين تعارض دوما التعذيب». وفي إيران, قال المرشد الأعلي للثورة الإسلامية «آية الله علي خامنئي» ان تقرير التعذيب أظهر الحكومة الأمريكية ك»رمز للطغيان». وفي كوريا الشمالية, طالبت بيونج يانج بإدانة الولاياتالمتحدة, وان الموقف الراهن «يشكل اختبارا جديا لمصداقية مجلس الأمن». وفي فرنسا, علقت زعيمة اليمين المتطرف «ماري لوبان» علي مضمون التقرير قائلة: ان «التعذيب يمكن ان يكون مجديا في قضايا الإرهاب». ومن جهتها شنت صحف أمريكية هجوما علي وكالة المخابرات الأمريكية, وقالت «نيويورك تايمز»: ان الجمهوريين في الكونجرس نددوا بالتقرير «وكأن القضية هي الحديث عن التعذيب وليس التعذيب بحد ذاته». وقالت صحيفة «الجارديان» البريطانية من جهتها إن «المخابرات المركزية عار في تاريخ أمريكا».