صار أصحاب الياقات الزرقاء في أول الصف يفعلون ما يشاءون بأصحاب الياقات البيضاء وكأنه ثأر قديم بين اللونين الأبيض والأزرق في العلوم الإنسانية نظرية تقول انه جاء زمان علي العالم كان فيه أصحاب الياقات الزرقاء «العمال» هم أصحاب الحظوة في المجتمع ثم احتل مكانتهم أصحاب الياقات البيضاء خريجو الجامعات والحاصلون منهم علي أعلي الدرجات العلمية ،وفي هذا العصر يحتل أصحاب الياقات الذهبية المركز الأول رغم قلة عددهم مقارنة بأصحاب الياقات الزرقاء أو البيضاء. وهؤلاء هم الخبراء في مجالات شتي، لاتقتصر خبراتهم علي أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا فقط بل منهم خبراء في الادارة وتنمية الموارد البشرية، وهؤلاء لايتقيدون في حياتهم العملية بوظيفة محددة في مكان واحد يظل فيه طوال العمر، بل هو يتنقل من موقع إلي آخر في نفس البلد الذي يعيش فيه أو من بلد آخر من شرق العالم إلي غربه ومن شماله إلي جنوبه، مهمة هؤلاء أصحاب الياقات الذهبية إقالة المنشآت من عثراتها أيا كان موقع هذه المنشآت وأيا كان نشاطها، هدفهم وضع الخطط للتنمية سواء من خلال المعدات أو الانسان الذي يعمل عليها وهم دارسون جيدون للأسواق علي مستوي العالم واحتياجاتها. ما يحصل عليه هؤلاء من حوافز مادية ورواتب لايخضع لأية هياكل للأجور أو المكافآت علي مستوي العالم، فهم مهما كان عددهم مازالوا قلة تتهافت عليهم المؤسسات الدولية التي تقدر خبراتهم وتسعي للاستفادة منها للوصول إلي أقصي الغايات المرجوة للنجاح بل والتفوق والتميز. وإذا كنا في بلادنا نعاني من ندرة أصحاب الياقات الذهبية وإذا ماتوافرت ولو مصادفة فسرعان ما تنبذها البيروقراطية تساعدها الفهلوة وثقافة ليس في الامكان أبدع مما كان. ولامانع عند الضرورة القصوي من البحث بين الاجانب عن أصحاب هذه الياقات الذهبية والاستعانة بهم وبعد أن ندفع لهم دم قلبنا نضع نصائحهم المجسدة داخل مخططاتهم في الأدراج وكأنك يا أبا زيد ما غزيت. المهم اننا لانشعر في بلادنا بوجود أصحاب الياقات الذهبية وبالتالي لانشعر بتأثيرهم في الوقت الذي تواري فيه أصحاب الياقات البيضاء «الأفندية» وأصبحوا في نهاية الطابور بعد أن صار أصحاب الياقات الزرقاء في أول الصف يفعلون ما يشاءون بأصحاب الياقات البيضاء وكأنه ثأر قديم بين اللونين الأبيض والأزرق، بل انهم ينظرون إلي أصحاب الياقات الذهبية إذا ما صادفوهم نظرة شك وريبة مُبدين دهشتهم مما يطالب به هؤلاء من أجل أداء أفضل وعمل متقن. وإذا كان هذا هو الحال في بلادنا كما أتصور فإننا نستطيع ان نضيف ياقة جديدة إلي الياقات الثلاث وأنا أطلق عليها الياقة الماسية، فإذا كانت الطبقة المتوسطة أصحاب الياقات البيضاء والتي هي العمود الفقري لأي مجتمع قد جار عليها الزمان وأكل الدهر وشرب ومع ذلك مازال أبناؤها متشبثين بقيمهم ومبادئهم ويبذلون أقصي مافي وسعهم للحفاظ عليها، إلا أن من بينهم من صاروا أصحاب الياقات الماسية هؤلاء جني بعضهم المليارات واخرون جنوا الملايين سواء من باب الاقتراب من السلطة والاستفادة منها أو الفهلوة والاحتكار أو مليارات البنوك التي قدمت لهم علي أطباق من ذهب وبعد ذلك عصفورك في العش ولاطار، ثم طائفة أخري أو طوائف تتحرك فيما بينها ولاتتعامل الا مع بعضها انحسروا في المستعمرات الجديدة التي يطلق علي الواحدة منها «كومبوند» وهؤلاء ملعبهم الواسع هو الوطن بأكمله والمواطنون هم العملاء الذين يمتص هؤلاء دماءهم إذا ما اضطرتهم الظروف للوقوع تحت أيديهم أو يتجاهلونهم وكأنهم ليسوا أشقاء في وطن ينبغي أن تتحقق فيه العدالة بين الجميع، طبعا لانطلق أحكامنا علي كل أصحاب الياقات الماسية فمنهم من يعي معني الوطن ومعني المواطن ولكنه صاحب مبادرة فردية لايمكن أن تحقق وحدها ما نأمله. الخلاصة أنه علي أصحاب هذه الياقات سواء منهم من كان في عالم الاعمال أو مجال الفن أو الطب أو غيرها تقع مسئولية كبري تجاه الوطن ولهم في العديد من مليارديرات العالم مثل بيل جيتس وغيره القدوة ولهم في الأديان عبرة وعظة، أتمني أن نسمع من هؤلاء ما يثلج صدور المعذبين في الأرض.. بؤساء المصريين ، وأتمني أن يخرج من كل مجال يقبع هؤلاء تحت مظلته من يلبي النداء والأهم أن تتواجد الهيئة أو المنظمة المدنية التي تكتسب ثقة هؤلاء ليقدموا لها وعن طيب خاطر ما يأمله البائسون واليائسون. أنور محمد.. قلب أبيض قليلة هي في الحياة تلك النماذج التي قد تصادفها - ويا حظك لو صادقتها - وتستطيع أن تطلق عليهم أصحاب القلوب البيضاء الطيبة، كان الزميل أنور محمد من هؤلاء الذين لايعرفون الحقد ولا الغل ولا الحسد تجاه أي انسان في هذا الوجود، أجزم بهذا الرأي وقد عرفته لاكثر من أربعين عاما منذ أن تزاملنا في كلية الإعلام التي تخرج منها عام 1978 بعد تخرجي بعام واحد. كان أنور يصدق كل مايقال له، ولم لا فهو رجل لم يعرف الكذب طوال عمره، اقتحم أنور محمد في منتصف الثلاثينيات من عمره مجال تأليف الكتب وحقق كتابه «السادات والبابا» انتشارا هائلا وبعقلية الدمايطة الذين ينتمي اليهم أنشأ دارا للنشر في وسط البلد ولكن لم يكتب لمشروعه النجاح بسبب الامراض التي داهمته حتي اضطر لزرع كبد في جراحة اجراها في الصين منذ عدة سنوات. رحم الله صديق العمر وألهم ابنه الوحيد محمد الصبر والسلوان.