سيظل الرئيس جمال عبد الناصر رمزا لاستقلال الإرادة الوطنية، والانحياز للطبقات الكادحة من المصريين، ولكل أحرار وشرفاء العالم رغم محاولات كثير ممن يملكون المال والسلطان لتشويه الرجل ومشروعه ومبادئه استفز عقلي، ودفعني للكتابة هو كم الحقد والكره الذي لمسته من كتاب بعض المقالات في الصحف ضد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ناهيك بالطبع عن الجهل الشديد بأبسط قواعد التحليل السياسي والمعرفة التاريخية، وأتصور بحكم خبرتي ان وراء تلك الكتابات جماعة مصالح تتبني مخططا أكبر من مجرد نقد الزعيم جمال عبد الناصر.. مخططا يمتد لمحاربة المشروع الوطني المصري برمته. يبدو أن هؤلاء قد أقلقهم بشدة أن تصبح مبادئ الرئيس جمال عبد الناصر ومشروعه الوطني بوصلة الثورة المصرية، وأن يري الشعب المصري الثائر في رئيسه «عبد الفتاح السيسي» ما يذكره بزعيمه جمال عبدالناصر، وأنهم سائرون معه علي الدرب نحو إحياء مشروع النهضة المصرية الذي بدأه عبد الناصر بتحرير الإرادة المصرية من جميع صنوف التبعية، وبناء الدولة المصرية القوية علي أساس الكفاية والعدل. بالطبع، من استفاد من سياسات الامبريالية الرأسمالية الخالية تماماً من أي شكل من أشكال العدالة الاجتماعية، والتي تنحاز لشريحة صغيرة من أبناء الوطن، وتمنحهم كل الفرص والمزايا ليحوزوا تلالا من الثروة الحرام علي حساب باقي الشعب الذي حرم من كل شيء، يزعجهم ويرعبهم بشدة أن يروا أفكار ومبادئ عبد الناصر تبعث من جديد، ومشروعه يصبح مطلبا شعبيا ورسميا؛ لأنهم يعلمون تمام العلم أن في ذلك تحجيما لفسادهم ونهبهم لثروات هذا الشعب، إن لم يكن استعادة الشعب لحقوقه المنهوبة. في ظل هذا السياق، أستطيع أن أفهم حالة الهجوم اللاعقلاني علي جمال عبد الناصر حاليا، الذي وصل بالبعض الي التخلي عن أي قدر من الكياسة والملاءمة في قلب الحقائق.. حقائق لا ينكرها ألد أعداء عبد الناصر؛ أبرزها تلك الحالة الاقتصادية والمعيشية والإنسانية البالغة السوء ل (99%) من الشعب المصري قبل ثورة 1952، وذلك التحسن الكبير فيها بعد الثورة، والذي شهد به العالم أجمع، حيث حقق الاقتصاد المصري أعلي معدل تنمية في تاريخ مصر الحديث الذي بلغ وفقا لنص تقرير البنك الدولي 7ر6% عام 1970 ، وأشدد علي تنمية عبر الصناعة والزراعة وليس نموا عبر المضاربات والاقتصاد الريعي والتحويلات. فأي مضلل أو جاهل أو عابث يستطيع أن ينكر أن أبناء المصريين في عهد عبد الناصر صار لهم حق التعليم المجاني، والالتحاق بأي مؤسسة تعليمية تتوافر فيهم شروط الالتحاق بها علي قدم المساواة دون تفرقة، ومن تعليم عبد الناصر الذي وصفه هذا «النيوتن» بالسيئ عرفت البشرية عشرات العلماء المنتشرين في جميع دول العالم، ومنهم من حصل علي جائزة نوبل، مثل أحمد زويل، ومحمد النشائي، وسعيد بدير، ويحيي المشد، وسميرة موسي، وأدباء كأسامة أنور عكاشة، وعبد الرحمن الأبنودي، وبهاء طاهر ، ومخرجين مثل محمد فاضل، وأنعام محمد علي، وعاطف الطيب، ويوسف شاهين، وخالد يوسف وغيرهم آلاف المعلمين والمثقفين والأدباء الذين أفاضوا بعلمهم علي شعوب عربية وأفريقية كثيرة. وأي غافل هذا الذي يقول بأن مستوي الرعاية الصحية، أو المأكل والمشرب والمسكن للمصريين كانت أكثر جودة قبل ثورة 1952 عما بعدها، وتكفي نظرة بسيطة لأوضاع الفلاحين قبل وبعد ثورة 1952 لنعرف الحقيقة.(مشروع الحفاء). إن باشوات العهد الملكي من الإقطاعيين ورجال القصر، ودولة الاحتلال –آنذاك- بريطانيا، وألد أعداء ناصر من الامبريالية العالمية لم يجرؤوا علي إنكار تلك الحقائق. فهل يعقل أن رجلاً أفقر المصريين، وقدم لهم أسوأ نظام تعليمي، ونظام سياسي ديكتاتوري، وأمرضهم كلهم بأمراض مزمنة –لابد أن مرضك من النوع النفسي- ثم بعد كل هذا تراهم في لحظات أزماتهم وثوراتهم يرفعون صوره ويهتفون بمبادئه؟! .. أي شعب هذا؟! .. أهم جاهلون ومغيبون لهذا الحد؟! .. أم أنهم مصابون بالمازوخية؟! .. أم أننا شعب لا يحكم إلا بالكرباج؟! ولا يقول ذلك من هو مصري. أما ما كُتب عن حرب اليمن، وهزيمة 1967، وحرب الاستنزاف، وتكميم الأفواه.. فهذه كلها موضوعات قتلت بحثا من قبل معارضي ومؤيدي عبد الناصر، ومن قبل خبراء ومحللين أكاديميين منذ سنوات طوال، اطلع عليها المصريون، وعرفوا عنها الكثير، وأصدروا تقييمهم للتجربة وقائدها برمتها مرتين، الأولي في 9 يونيو 1967 حين رفضوا تنحي الزعيم –رغم اعترافه بالمسئولية كاملة- وأدركوا بوعيهم الفطري والحضاري بأن جميع جيوش العالم واجهت الهزيمة، ومنها ما ترتب علي هزيمته سقوط النظام السياسي كما حدث مع فرنسا، ولم يشأ المصريون أن يمكنوا أعداءهم من مرادهم في إسقاط نظام الرئيس عبد الناصر ، ومن ثم مشروعه النهضوي، الذي أعلنت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل مخاوفها منه في أوائل الستينيات رغم تأكيد المسئولين الأمريكيين لها –آنذاك- أن الرئيس جمال عبد الناصر لا ينوي محاربة إسرائيل، وأن همَّه الأول هو بناء مصر دولة حديثة متقدّمة، فقالت: هذا هو الخطر الحقيقي علي إسرائيل، والثانية في أعقاب ثورة 25 يناير2011 وموجتها الثانية في 30 يونيو 2013 حين أعلن المصريون أنهم يطوقون لعزة وكرامة مشروع أبو خالد. لقد صار موقف المصريين من الرئيس عبد الناصر وتجربته واضحا للقاصي والداني؛ فها هي الصحف العالمية ووكالات الأنباء، والمحللون السياسيون يرون أن جزءا من شعبية الرئيس السيسي الكبيرة مستمدة من ذلك الربط الذي أحدثه العقل الجمعي للمصريين بينه وبين الرئيس عبد الناصر.. فأي جديد أتي به هذا . . ليغير من موقف المصريين؟ .. لا شيء سوي سموم حقد، وحالة من القرف والغثيان تصيب كل من دنس عينيه بقراءة ما كتب. ختاماً: كان وسيظل الرئيس جمال عبد الناصر رمزا لاستقلال الإرادة الوطنية، والانحياز للطبقات الكادحة من المصريين، ولكل أحرار وشرفاء العالم رغم محاولات كثير ممن يملكون المال والسلطان لتشويه الرجل ومشروعه ومبادئه. وإني لأعبر عن اطمئناني وارتياحي البالغ لأن إنما هي تعبير عن أننا ماضون علي درب المشروع الوطني الذي صاغه الرئيس جمال عبد الناصر، مع مراعاة ما استجد من تغييرات علي الصعيدين الدولي والإقليمي، والرؤية الخاصة للقيادة السياسية للرئيس عبد الفتاح السيسي. وأتوقع أن تستمر تلك الهجمة وتزداد شراسة وحقداً كلما قطعنا مزيدا من التقدم علي طريق تحقيق مشروع النهضة المصري. يا سادة الطريق ما زال طويلاً .. وبقدر عظمة أهدافنا ومشاريعنا، بقدر ما سنواجه من عقبات وأعداء من الداخل والخارج، ويجب ألا نغفل أن أعداء الداخل أكثر خطورة وشراسة؛ لأن لديهم الوسائل ومصالح مباشرة وآنية سوف تتأثر بالسلب بقدر ما نحقق من نجاح في مشروعنا الوطني النهضوي، ذلك المشروع الذي صار الرئيس جمال عبد الناصر رمزا له. لذا، سيظل الزعيم جمال عبد الناصر حائط الصد والمرجعية الوطنية التي يقصدها بالهدم كل أعداء مصر، وعليه تتحطم جميع محاولاتهم ليرتفع بنيان مصر القوية القائم علي استقلال الإرادة والعدالة الاجتماعية. ويحضرني الآن قول الشاعر العربي الكبير «محمد مهدي الجواهري» في رثاء «جمال عبد الناصر» : كم هز جذعك قزم كي ينال به فلم ينله ولم تقصر ولم يطل وكم سعت نكرات أن يكون لها ما ثار حولك من لغو ومن جدل.