سالم الكتبى لا اعتقد أن أحدا في دولنا العربية من المحيط إلي الخليج لم يسمع يوما ما مصطلح «الوحدة العربية»، الذي كان حلما داعب الملايين طيلة عقود سابقة ثم مالبث أن تبدد وصار ضربا من الخيال بسبب سياسات الأنظمة العربية تارة، وبسبب عوامل مثيرة للفتن والشقاق بين الدول العربية تارة أخري، وبسبب تدخلات خارجية دفعت باتجاه وأد الحلم في مهده تارة ثالثة. أحد أبرز العوامل التي تسببت في ضياع حلم الوحدة العربية يتمثل في تيارات الاسلام السياسي التي قاومت فكرة الوحدة العربية أشد المقاومة ورفضتها أشد الرفض، واعتبرتها فكرة مناوئة للدين ، وانها تعمل في اتجاه مغاير لاتجاه فكرة «الخلافة» التي سعت هذه التيارات إلي احيائها من سبات عميق عبر استدعاء ماض سحيق بغض النظر عن تطورات الزمان والمكان. الوحدة العربية تحولت للاسف إلي محنة عربية، ولم يكن السبب الاساسي في ذلك القوي الاستعمارية كما يحلو للبعض أن يزعم رابطا كل الاخفاقات والكوارث التي حاقت بالعرب في العقود والسنوات الأخيرة بمؤامرات خارجية. لا أحد ينكر وجود دور لعوامل خارجية في الواقع العربي المتردي ولكن السبب الاساسي في ذلك ، كما يشير التاريخ، هو تيارات وفصائل باعت أوطانها وشعوبها لمصلحة تحقيق أهداف ذاتية لجماعات أو تنظيمات أيديولوجية تطمح إلي تحقيق مصالح سياسية لا علاقة لها بالدين أو مصالح الشعوب. ابتداء من ثلاثينيات القرن العشرين تحالفات جماعة الاخوان المسلمين مع الاستعمار البريطاني، بل إن الجماعة ذاتها نشأت وتأسست علي يد مرشدها الأول حسن البنا بدعم مالي من الاحتلال البريطاني، وقد شجع البريطانيون الاخوان المسلمين في بداياتهم لمواجهة العثمانيين وتفتيتت وحدة المسلمين عبر تفكيك الولاءات وهذا يفسر إلي حد ما العلاقة التاريخية التي تربط الاخوان المسلمين ببريطانيا، وهي العلاقة التي لم تغب او تتراجع يوما ما. لن ينسي التاريخ أن هناك قيادات عربية كانت تؤمن بشكل قوي بفكرة الوحدة العربية وآمنت بها ودافعت عنها دفاعا شديدا، ولهذه القيادات مواقفها التاريخية المأثورة التي تؤكد أن الوحدة العربية كانت المحرك الاول لفكر هؤلاء القادة العظماء، وفي مقدمتهم بطبيعة الحال حكيم العرب المغفور له بإذن الله تعالي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والزعيم المصري الخالد جمال عبد الناصر، والعاهل السعودي الاسبق الملك فيصل، وغير هؤلاء كثيرون آمنوا بوحدة العرب وتجمعهم، ولكن هؤلاء جميعا توفاهم الله وبقيت الفكرة تراوح مكانها حتي السنوات الأخيرة الماضية، ثم ما لبثت أن تراجعت تحت ضغط تيارات الاسلام السياسي التي عملت كل ما في وسعها من أجل تشويه صورة القومية العربية. حلم العرب بوحدتهم يواجه برفض مطلق من تيارات الاسلام السياسي التي لا تؤمن أساسا بالدول ذات السيادة وتنبذ مبدأ السيادة الوطنية فما بالنا بوحدة هذه الدول، والاخوان المسلمون هم اكثر هذه التيارات رفضا لفكرة الوحدة العربية وسعيا إلي تخريبها وإزالة جذورها، لأن الجماعة تسعي إلي تذويب الهويات ونسف المعوقات الفكرية والايديولوجية التي قد تجول دون تحقق الهدف الأساسي لجماعة الاخوان المسلمين وهو «الخلافة الاسلامية» التي يتم استدعاؤها من دفاتر التاريخ كي توفر للجماعة الغطاء المناسب لتنفيذ أفكارها الايديولوجية والسيطرة علي العالم الاسلامي عبر مايسمي ب «أستاذية العالم». والآن في ظل موجات الفوضي والتفكك التي تجتاح دولا عدة في العالم العربي، هل وأد حلم الوحدة العربية للأبد؟ الواقع قد يقول بأن الصعوبات القائمة تتراكم يوما بعد آخر وتجعل من مجرد مناقشة هذا الحلم هدرا للوقت، ولكننا مع ذلك نجد نماذج ايجابية تبعث علي التفاؤل وسط هذا الواقع العربي المؤلم. من بين هذه النماذح مايجري حاليا في فضاء العلاقات بين دولة الامارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية حيث تثبت الدولتان يوما بعد آخر متانة علاقاتهما وقوة الوشائج التي تجمعهما وتربط قيادتهما علي المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، مايعني أن الحديث عن فكرة التعاون والوحدة العربية ليس ضربا من الوهم والخيال بل هو واقع حي في ضمائر أمتنا طالما وجدت القيادات المخلصة لأوطانها وشعوبها. لن يفلح الاخوان المسلمون في تفتيت وحدة الأمة العربية ولن يحققوا هدفهم في تفريق شمل العرب، وأثق ان وجود القادة المخلصين سيقف حائلا دون تنفيذ مؤامرات الاخوان ضد العروبة والاسلام وبما يخدم مصالح القوي الاستعمارية الجديدة ويضمن أهداف الجماعة.