في فيلم «صراع في النيل» بطولة عمر الشريف ورشدي أباظة.. تظاهرت هند رستم.. وهي بكامل ملابس الإثارة أن حية قد لدغتها.. ونادت رشدي أباظة.. وهو فوق السفينة في عرض البحر صارخة بصوت يطير له العقل: - الحقني.. يا مجاهد! وكان من الطبيعي أن يلحقها مجاهد.. من باب الشهامة والمروءة والهمة واقتحام المهالك من أجل نصرة الضعيف ووجوب الحنو علي من يقع في ملمة.. لاسيما إذا كانت امرأة.. في مشكلة! هكذا خلقنا الله.. وهكذا جاءت رسالات السماء.. إلي أن خرجت علينا عصابات الاتجار بالإسلام.. بالفتاوي الجامحة التي تتنافي مع القواعد التي التفت حولها الأمم والشعوب.. ولم يختلف حولها أحد.. فمنذ بدء الخليقة علي وجه الأرض.. حتي لحظة كتابة هذه السطور. ففي الوقت الذي لم تهدأ فيه ردود الأفعال الغاضبة.. بعد الفتوي التي أعلنها ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية.. بأنه لا يجوز قتل الزوجة وعشيقها لمجرد وجودهما عاريين معا في مضجع واحد وانه لا يجوز أن يدافع الزوج عن زوجته.. حال اغتصابها.. وأن يفر بجلده إذا كان الدفاع عن الزوجة قد يؤدي لهلاكه.. وانه «ليس للنساء سلام ولا عليهن سلام».. إلخ. أقول انه في الوقت الذي لم تكد تهدأ فيه الضجة حول الفتاوي التي تشوه الصورة الذهنية للإسلام والمسلمين في أرجاء العالم.. أذاعت وكالات الأنباء العالمية.. ونقلت الصحف ووسائل الإعلام خبرا مطولا عن مشروع قانون تقدم به أحد الأحزاب الدينية للبرلمان العراقي.. يحدد السن القانونية المسموح بها للزواج بتسع سنوات للزوجة.. وخمس عشرة سنة للزوج وتنص مادته الثانية علي أن من حق الزوج معاشرة زوجته (الطفلة) في ذات الليلة التي يتم فيها العقد.. حتي ولو لم تكن راغبة.. أكد انه يحق للزوج الذي قد يكون في سن السبعين.. اغتصاب زوجته التي قد تكون في التاسعة من عمرها.. (تصور)؟ وكان الكاتب والشاعر القدير أحمد عبدالمعطي حجازي علي حق.. في تعقيبه علي هذ الخبر الذي يعد أبشع انتهاك لقوانين حقوق الأطفال.. في مقاله بالأمس في صحيفة «الأهرام» بعنوان «أين أنت يا قاسم أمين؟».. وكان علي حق في الدعوة لتنقية ومراجعة تراثنا الديني.. الذي اختلط فيه ما كان يجري في العصور القديمة.. وتقاليد الصحراء وثقافة الندرة في المياه والطعام وطبيعة الصحراء وبين ما هو متعلق بالدين الإسلامي.. والعقيدة لسبب بسيط هو أن كل الفتاوي الجامحة التي تصدمنا بين الحين والآخر.. لم تصدر من خيال أرباب العمائم الصغيرة ومن بنات أفكارهم.. وإنما هي مستمدة من موروثات كانت سائدة في عصور.. كانت تسودها العبودية والظلام وامتهان المرأة لأقصي حدود الامتهان. ولذلك فإذا تأملنا الفتاوي الجامحة.. نجد انها تصدر في كل مرة عن فصائل تحاول الظهور علي المسرح السياسي بملابس جديدة.. هي ملابس الصحراء.. ابتداء من جلباب الرجال الذي يضيق عند المؤخرة إلي الحجاب والنقاب.. وبأفكار تراثية خرجت لتوها من غياهب الزمن الذي نعيشه.. وتعود لعصور ما قبل الزراعة.. وما قبل الثورات العلمية والثقافية والفكرية التي اجتاحت العالم طوال الألف سنة الأخيرة. وهي فتاوي تبحث لها عن مكان وجمهور وأنصار في المجتمعات الإسلامية التي تعاني ألوان الفقر والقهر والجهل والأمية.. وبالتالي فهي ليست فتاوي من أجل نصرة الدين.. وإنما هي فتاوي تستهدف الظهور علي المسرح السياسي واجتذاب جمهور يؤيد أصحابها لأسباب تتعلق بالأمراض النفسية والأمية.. والاستعداد لانتهاج أفكار معادية للمجتمع. يضاف إلي هذه الحالة.. ان عصابات الإسلام السياسي التي تصدر الفتاوي الجنسية (مثلا).. لا تملك الثقافة السياسية التي تمكنها من ابتكار برامج سياسة لحل المشاكل المعاصرة.. في صناعة وتجارة وسياحة.. الخ. ومن ثم فهي تحرص علي تقديم نفسها.. بأفكار جاذبة وصادمة.. ومدوية وسريعة الانتشار.. وهي مواصفات لا تتوافر إلا في الفتاوي الجنسية.. التي يعلم أصحابها بالفطرة.. ان الكتب الجنسية هي الأكثر توزيعا.. والأفلام الجنسية هي الأكثر رواجا.. وان أدوية الأعشاب التي تساعد علي القوة البهيمية للإنسان.. هي الأكثر ربحا.. والأقل تكلفة. ولذلك فإن الفتاوي التي تخرج علينا بها جماعات الإسلام السياسي.. تتركز دائما حول الجنس.. وملابس النساء.. والزواج النهاري.. وزواج المسيار وعدم تولي النساء للمناصب الوزارية.. وكل فتوي هي في حقيقتها فيلم سينمائي مثير.. يفوق في اثارته أفلام مارلين مونرو.. وصوفيا لورين.. وهند رستم.. وكل فتوي تبحث عن جمهور.. هو في حقيقته جمهور أفلام الاثارة الجنسية. يضاف إلي ذلك ان هذه الفتاوي.. تصدر في ظل أجواء تسودها الفوضي والعنف.. واختفاء وسائل الحياة الكريمة.. وفي ظل العديد من التيارات السياسية التي تبحث عن دور سياسي.. تلعبه.. دون أن تكلف نفسها جهد ابتكار برنامج سياسي تخوض به معارك المنافسة السياسية السليمة. نحن أمام ظاهرة.. يجسدها صوت هند رستم في فيلم صراع في النيل.. وهي تنادي: الحقني.. يا مجاهد!