سالم الكتبى وسط رياح التطرف الديني والتشنج الفكري التي تموج بها كثير من الدول العربية، احتضنت العاصمة الإماراتية، أبوظبي، في التاسع والعاشر من شهر مارس الجاري. جلسات نقاشية لمنتدي «تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» وذلك بحضور أكثر من 250 عالماً ومفكراً إسلامياً، وأثمرت النقاشات بين هذه النخبة الجليلة من العلماء توصيات غاية في الأهمية وفي مقدمتها تأسيس «مجلس حكماء المسلمين». ولاشك أن هذا المنتدي يعكس عمق القناعة الراسخة لدي القيادة الإماراتية، وعلي رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بأن من الضروري تضافر جهود مخلصي الأمتين العربية والإسلامية من أجل التصدي لخطر الإرهاب والتطرف وصياغة مشروع إسلامي وسطي مستنير ينطلق من أبوظبي ليكون بمنزلة نبراس للمسلمين وطوق نجاة من موجات الظلامية والجهل التي تسعي بعض الجماعات والتنظيمات إلي نشرها في عالمنا العربي والإسلامي. -إن تحرير الفكر الإسلامي ودحر التطرف والتشدد والغلو يتطلب جهدا هائلا ومستمرا لابد وأن تضطلع به العديد من الدول والمؤسسات الدينية والبحثية والفكرية في العالم العربي والإسلامي، لبلورة مشروع تنويري وحضاري يعيد طرح الإسلام في صورته الحقيقية النقية التي تنأي به عن الشطط والغلو والتعصب، ومن هنا تأتي أهمية التوصية التي خرجت عن اجتماعات منتدي « تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» بان يكون المنتدي إطارا مؤسسيا، لان مثل هذه الأهداف بحاجة إلي إطار جامع لكل الجهود المخلصة التي يقوم بها علماء ومفكرون مستنيرون من اجل إنقاذ العالم الإسلامي من خطر الاحتراب الديني والطائفي. الأمر الايجابي أيضا في نقاشات هذه النخبة الرائعة من العلماء والمفكرين الذين التقوا مؤخرا في أبوظبي أنها كشفت عن وعي جماعي عميق بحجم الجائحة التي أصابت الكثير من الدول العربية والإسلامية، وهي بالفعل جائحة فكرية ودينية تطرح تحديات هائلة علي الجميع وتتطلب توافر أمصال واقية لرفع مناعة الأجيال المقبلة وتحصينها ضد فيروس التطرف الديني والفكري، الذي ينتشر بشكل يفوق سرعة انتشار الإمراض الموسمية ويفوقها خطورة وتأثيرا. الأمر المهم الآخر في هذا المنتدي أنه لم يؤسس فقط لمواجهة التطرف والإرهاب والتصدي لهذا الخطر في المجتمعات العربية والإسلامية، ولكن أيضا لأنه استهدف تكريس جهد مواز قائم علي تحقيق السلم من خلال إشاعة ثقافة الوسطية والاعتدال، فليس يكفي أن تحارب التطرف ولكن من الضروري أيضا أن تغرس فكرا وسطيا معتدلا وتجعل من هذا الفكر ثقافة شائعة تحل محل أفكار العنف والتطرف التي نشرتها التنظيمات والجماعات الإرهابية طيلة سنوات مضت مستغلة انشغال الدول والمؤسسات والنخب بقضايا وأمور أخري. العالم العربي والإسلامي يحتاج في الوقت الراهن إلي جهود اطفائية فكرية هائلة، والمؤكد أن «مجلس حكماء المسلمين» سيكون أداة فاعلة علي هذا الدرب، بما يضمه من ذوي الخبرة والحكمة من علماء المسلمين وخبرائهم ليسهموا في إطفاء حرائق الأمة قولاً وفعلاً، وتخليص الملايين من ملاحقات «شيوخ الفتنة»، و»علماء الفضائيات»، الذين قدموا صورة مشوهة للدين الإسلامي الحنيف، بعيدة عن قيمه السمحاء وتعاليمه النبيلة،، ومن ثم فقد كان الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلي للقوات المسلحة، معبرا بصدق عن خطر هذا المشهد حينما قال خلال استقباله العلماء المشاركين في المنتدي، «إن أمام علماء المسلمين الكبار تحديات كبيرة واستثنائية في مواجهة دعاة الفتن والفوضي، من أجل سيادة روح الإخاء والمحبة في كثير من بؤر التوتر قبل أن تنتشر وتستفحل لغة الكراهية والعنف والتحريض».