أن تعيش في عصر العمالقة وتسمح لك ظروف الحياة بلقاء رجال عظماء يتركون بصمة قوية علي تكوين شخصيتك واسلوبك ويثرون مشوار حياتك.. إذن أنت من المحظوظين. نعم حالفني الحظ طوال مشوار حياتي خاصة عندما عملت في بلاط الصحافة صاحبة الجلالة، فقد التقيت بعملاقي الصحافة المصرية مصطفي وعلي أمين في بداية عملي بدار اخبار اليوم في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، وكان لكل منهما فضل علي تكويني كصحفية واستمراري في العمل عبر اربعة عقود، لقاءات وحكايات عديدة استرجعتها في ذهني بعد أن أخذت أقرأ العديد من المقالات والتحقيقات التي كتبها الزملاء بمناسبة مرور مائة عام علي ميلادهما، تذكرت مواقف رائعة عبر شريط من الذكريات من الصعب ان يمحي من الذهن، ولن انسي ابدا تلك النظرة التي رمقني بها الراحل علي امين عندما مر عبر صالة التحرير فوجدني أجلس خلف منضدة القسم الخارجي أتصفح الجرائد وأمامي القلم وورق أبيض، وعندما سأل الاستاذ احمد عبدالغني عن المحررة الجديدة التي لا تعمل شيئا سوي الاطلاع علي الصحف، قال له الاستاذ احمد »متدربة جاء بها الاستاذ موسي صبري للقسم ولا تعرف شيئا عن مباديء الصحافة«! وبلهجة استنكارية رد الاستاذ علي امين قائلا »ليس هناك مكان في اخبار اليوم لمن يجلس عاطلا ولا يوجد ايضا من هي او هو غير قادر علي التعلم والعمل«.. ونظر إلي ضاحكا »سوف يكون لك أسلوب مميز لو اجتهدت«.. قام الاستاذ الفاضل باستحداث باب اخبار سريعة من اجلي حيث كنت أقوم بترجمة عشرات من التلغرافات من مختلف وكالات الانباء واقوم باختصارها في اربعة او خمسة اسطر، ومن هنا تعلمت درسا لن أنساه ابدا، فكل انسان قادر علي التعلم وتطوير الذات وان الاجتهاد والالتزام هما الطريق الوحيد للنجاح.. وخلال فترة وجيزة اكتسبت الاسلوب التلغرافي الذي تميزت به مؤسسة اخبار اليوم رائدة الصحافة الحديثة وادركت ان القاريء في حاجة للمعلومة الجيدة المكتوبة باسلوب سهل ورشيق. ثم جاء اللقاء مع الكاتب الكبير مصطفي امين صاحب الفضل والدافع لاستمراري في الصحافة، فقد شعرت بحالة من الاحباط عندما تعثرت في العمل بالقسم الخارجي ولم تعد البرقيات السريعة تكفي طموحي.. طلبت مقابلته وكانت الاستجابة فورية، قلت له إنني لم أكن ارغب في اعتزال المهنة دون ان القاه، تحدثنا معا وبحسه المرهف قال لي »لا تيئسي« ونصحني بالكتابة في الموضوعات التي أحبها حتي أتفوق ، ثم قام وجمع كومة من الصحافة الاجنبية من فوق مكتبه واعطاها لي وطلب مني قراءة جميع انواع الصحف العربية والاجنبية والاطلاع علي ما هو جديد.. وعندما علم انني ام لتوأم متشابهين مثله ومثل اخيه، طلب مقابلتهما واخذ يحدثنا عن حبه لأمه، مؤكدا ان الامومة منحة إلاهية والابناء كنز يجب الحفاظ عليه، شعرت في كل لقاء دار بيننا انني امام انسان رائع ورجل عبقري بمعني الكلمة. تعلمت من علي ومصطفي أمين حب المهنة والتواضع والسعي وراء الحقيقة وانصاف المظلوم واحترام القاريء كما اكتشفت انه رغم التشابه الشكلي الشديد بينهما والتشابه في حب الخير انهما مختلفان في الطبع ومواجهة التحديات، فكنت دائما حريصة أن أظل تلميذة مجتهدة في مدرسة أخبار اليوم وأتصرف علي نفس مستوي الدار العريقة كنت ولازلت أري القدوة في استاذي مصطفي أمين ولازلت اتخيله واقفا امام باب المؤسسة يقابل الغلابة بابتسامة صافية ويسعي لمداواة اوجاعهم وشكاواهم من خلال الابواب الانسانية مثل ليلة القدر واسبوع الشفاء ولست وحدك ونفسي أو يسعد الاسرة المصرية من خلال احتفالية عيد الحب أو عيد الام أو عيد الاب. وعندما أتذكر مصطفي وعلي أمين أتذكر مقولة الشاعر البريطاني الشهير ويليام شكسبير »إن العظماء والقادة يولدون عظماء ويمتلكون القدرة علي التغلغل في عقول وقلوب الآخرين«.