لم يكن المشير عبدالفتاح السيسي يضع في حساباته الخاصة ان يكون رئيسا لمصر في وقت ما، ولم يكن يطمح ان يتولي هذه المسئولية تحت اي ظروف فقد كان علي الدوام رجلا عسكريا محترفا ونموذجا للانضباط في كل المواقع التي تولاها في القوات المسلحة وامضي السنوات الاخيرة قائدا لجهاز المخابرات الحربية واكتسب خبرة في العمل المخابراتي باعتباره مسئولا عن امن القوات المسلحة وسريتها. وقد امضي حياته «59 عاما» داخل ثكنات الجيش المصري وبدأ مسيرته في سلاح المشاة الا انه كانت له اهتماماته بشئون الوطن ولم يكن بعيدا عن السياسة وعندما تولي رئيسا للمخابرات الحربية في عهد مبارك وضع خطة استراتيجية لتحرك محتمل لمواجهة توريث الحكم تحسبا لترشيح جمال مبارك للرئاسة خلفا لوالده فقد كان الجيش معارضا لذلك وقامت ثورة 25 يناير التي اطاحت بالرئيس مبارك وقطعت الطريق علي فكرة التوريث وكان السيسي عضوا بالمجلس الاعلي للقوات المسلحة بحكم منصبه وتعرف علي الاوضاع السياسية الموجودة علي الساحة.. وعندما تم تعيين السيسي وزيرا للدفاع وقائدا عاما في منتصف 2012 بعد اقالة المشير طنطاوي بقرار مفاجئ من الرئيس السابق مرسي لم يكن له في اي وقت علاقة بالاخوان ولذلك ركز علي عدم اختراقهم للقوات المسلحة، وابدي اهتماما بتطويرها وقام بعمل مناورات مستمرة لوحداتها واسلحتها لرفع كفاءتها القتالية وتتفرغ للتدريب وممارسة مهامها الدفاعية الاساسية رغم ان الرئيس مرسي لم يكن راضيا عن ذلك وكان يحاول التدخل وقبل ان يقوم الشعب بثورة 30 يونيو وقبل ان يقوم الجيش بعزل مرسي ذهب السيسي اليه وحاول ان يوجه اليه النصح بالاستجابة لمطالب المصريين وعدم الدخول في مواجهات مع القوي السياسية والقضاء والصحافة اعتمادا علي الاخوان وكان ذلك في ديسمبر عام 2012 وكان يري ذلك التحذير من واجبه كقائد للقوات المسلحة ولكن مرسي لم يستجب للنصيحة ومضي في عناده وتحديد لرغبات الشعب.. وقد تمادي في ذلك وكان السيسي يستشعر غضب الشعب خصوصا بعد أحداث الاتحادية وخشية أن يتحول الصدام الي حرب اهلية خصوصا بعد ان قام الاخوان بتسليح العناصر التابعة لهم.. وشعر السيسي بما يضمره مرسي والجماعة عندما قال له بصيغة التحدي: ان الاخوان سيحكمون خمسمائة سنة وبدا واضحا انهم لن يتخلوا عن الحكم وسيعملون علي احكام قبضتهم علي مفاصل الدولة واخونة النظام! واتضحت هذه النوايا عندما وقف مرسي يلقي خطابه الاخير قبل عزله ويتحدث بلهجة التهديد والوعيد لمعارضيه من رموز القوي السياسية والقضاة.. وكان السيسي يجلس صامتا هادئا بين قادة القوات المسلحة في الصف الاول وهو يتابع الخطاب ولا يبدو عليه اي انفعال وكأنما هناك تدبير في رأسه، وقد ايقن السيسي بعد ذلك الخطاب الذي حشد فيه مرسي انصاره وعشيرته ان لا فائدة من النصح وكما نشرت وكالة الانباء الفرنسية: قبل عزل مرسي بأسبوع وبالتحديد في 26 يونيو استيقظ الرئيس السابق ومعه قادة الاخوان علي ان الجيش انتشر منذ الفجر علي النقاط الاستراتيجية في القاهرة وعند مداخلها وفرض سيطرته تحسبا لشيء ما اما السبب فهو انه توافرت معلومات لدي القوات المسلحة المخابرات الحربية عن تحرك سيقوم به الاخوان وعناصرهم المسلحة يتضمن حملة اعتقالات لاكثر من ثلاثين شخصية سياسية حسب تهديد مرسي وكان لابد من استباق ذلك وخرج اكثر من ثلاثين مليونا في ثورة الشعب ضد حكم الاخوان.. ولذلك يحرص السيسي علي تكرار: ان الجيش المصري ينفذ ما يأمر به الشعب.. وفي الواقع كان قراره الشجاع اطاحة الرئيس الاخواني السبب الرئيسي في شعبيته ووطنيته فقد رأي فيه المصريون رمزا للوطنية وبطلا وهو يتقدم لانقاذ الوطن ودعم الثورة لقد كان موقف المشير عبدالفتاح السيسي يعبر عن روح العسكرية المصرية وانحياز القوات المسلحة الي ثورة الشعب في 30 يونيو ولم يكن ما حدث انقلابا عسكريا كما حاول الاخوان ترويج ذلك بدعم من امريكا والغرب وانما كان استكمالا لثورة 25 يناير بدعم من الجيش.. وكما قالت عنه الصحف الفرنسية: السيسي جنرال عنيد انتزع خلال شهور شعبية جارفة وهو يختلف عن الزعامات التقليدية ولم يعتمد علي الخطب او اللهجة الحماسية وانما علي العكس فإنه يتميز بالهدوء ويتحدث دائما بصوت منخفض ونبرة هادئة وحتي منافسيه علي مقعد الرئاسة ومنهم حمدين صباحي يعترفون بأن شعبيته جارفة وانه صار بطلا بعد عزل الاخوان وهناك ملاحظة في المظاهرات الحاشدة المؤيدة له وهي ان الناس يرون فيه عبدالناصر آخر ويرفعون صوره الي جانب صور الزعيم وفي واجهات المحلات التجارية، وهو نفسه قال في حوار خاص لم يكن للنشر: انه يتمني ان يكون مثل عبدالناصر.. غير ان قيادات عسكرية مقربة منه تؤكد انه لايريد استنساخ تجربة عبدالناصر وسياساته وانما يأمل ان يحقق العدالة الاجتماعية التي سعي اليها. ويتميز المشير السيسي بالثقة بالنفس في مواجهة المواقف الصعبة كما حدث تجاه الحملة التي شنتها امريكا والغرب علي ثورة 30 يونيو ووصفها بانها انقلاب.. ولم يتأثر او يهتز في مواجهة عنيفة مع جماعة الاخوان وهو يعلم انها جماعة ارهابية.. وكما قالت صحيفة ليبراسيون الفرنسية: ان المشير السيسي يجسد بالنسبة لقطاع عريض من المصريين التوازن الذي تفتقده مصر وقد وضعوا آمالهم فيه واعلن المجلس الاعلي للقوات المسلحة ان يترك له امر الترشح للانتخابات الرئاسية، حيث قال انه سيرشح نفسه اذا ما طلب الشعب ذلك ان السيسي يستجيب لتفويض اخر من الشعب وهو بالنسبة اليه أمر ولا يستطيع ان يتخلي عنه وهذه هي البطولة