منذ بداية إبداعاته تجلت شخصية الرحالة في حسين فوزي، أحد أعظم المثقفين المصريين في القرن العشرين، أول كتبه »رحلات السندباد القديم« عن كتب الرحلة ومصادرها، »سندباد بحري« عن رحلة السفينة مباحث إلي المحيط الهندي في الثلاثينات، كان ايضا عالما في البحار وهو الذي أنشأ معهد الاحياء المائية في الاسكندرية المجاور لقلعة قايتباي، و »سندباد إلي الغرب« عن جولاته في الثقافة الغربية، الكاتب يرحل في الزمان عبر المكان والرحيل بين النصوص لا يقل عن الرحيل في البعدين الاساسيين، المكان والزمان، لنتوقف عند »سندباد مصري« وقد عرض،ت له كثيرا. الكتاب رحلة عذبة شجية، إنه ليس فقط »شعب نامة« كما يقول المؤلف، وإنما هو أيضا سيمفونية تجمع بين ارويكا بيتهوفن ونيبلونجن فاجنر فاجنر والحزينة لشوبرت. والمؤلف لا يقصد أن يكتب تاريخا للشعب المصري... إنما هو يسجل انفعالاته الخاصة بهذا التاريخ الذي عاش فترة منه، أو أثار فترة منه، في أحياء القاهرة القديمة، ولعله - كفنان - شاء ألا يسير كتابه حسب الترتيب التاريخي للوقائع والأحداث، وإنما كتبه بالعكس، أي أن بداية الكتاب تدور حول سنة 1800 ليسير التاريخ حتي ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، ومن عناوين الاقسام الثلاثة للكتاب، الظلام، الخط الابيض والخيط الاسود، الضياء، نعرف مدي تأثر المؤلف »بالحدوتة الشعبية« التي لابد وأن تنتهي نهاية سعيدة. إن حسين فوزي فنان حتي أطراف أصابعه، وهو حين يتحدث عن حتشبسوت - الملكة المسترجلة - سماها »الصعيدية« وكليوباترا »بنت الزمار« وشجرة الدر »أم خليل« .. وتتردد في ثنايا الكتاب أصداء حياة اجتماعية كنا نحياها.. لم يتقيد بالنص، وإنما تصرف به، لكنه حافظ علي الروح، وفي ايراده للأسماء يأتي غالبا بالاسم الشائع. يصف كتابه. »كتاب أدبي محض أحاسب عليه في حدود الأدب والفن«. وللشخصية المصرية عند المؤلف ثلاثة أبعاد، البعد الأول أن هذا الشعب تعرض خلال تاريخه الطويل لمحن كثيرة، فقد سلبه الأغراب قوته، مثلما سلبه الحكام حريته، لكنه عكف مع ذلك علي صنع الحضارة. والمشاهد التي خلفتها لنا تلك الحضارة عبر الزمن هي من صنع هذا الشعب لا من صنع حكامه، سواء كان هذا الحاكم فرعونا أم محمد علي.. وكان الشعب في تلك العصور لا يهتم بما يجري حوله، ما يجري خارج حدود حياته، ينظر إلي حكامه علي أنهم »قطاع طرق«.. لقد حارب آخر مرة في عهد الاسرة العشرين، وكانت المرة التالية في القرن التاسع عشر... الشعب المصري إذن شعب حضارة مهمته صنع الحضارة.