قلما تجد لغة في جميع الدنيا لها سحر وجمال اللغة العربية. فاللفظ الواحد يتحمل من الدلالات والمعاني الكثير، لذا فلن تري الكتابة والتورية والاستعارة التصريحية إلا في لغتنا الجميلة فهي لغة المترادفات، ولغة الاشتقاقات، ولغة البيان والجمال، وقد صدق الشاعر العربي حين قال: إن الذي ملأ اللغات محاسناً.... جعل الجمال وسره في الضاد. إننا اليوم نحتفل بالعيد الأربعين لاعتماد اللغة العربية رسمياً في الأممالمتحدة يوم 81 ديسمبر 3791، وهو يوم يستحق الاحتفال إذ صارت لغتنا الجميلة إحدي اللغات الرسمية الست التي اعتمدت في الأممالمتحدة منذ ذلك التاريخ بالقرار رقم 0913-82 فاللغة العربية من أوسع اللغات انتشاراً في العالم حيث يتحدث بها أكثر من 004 مليون سواء علي مستوي الوطن العربي أو الدول الإسلامية التي تهتم بلغة القرآن اهتماماً واضحا، فالتكريم الذي تحظي به لغتنا الجميلة نابع من تكريم الله تعالي لها، فقد اختص ربنا أمة العرب فأنزل القرآن الكريم باللغة العربية لذا فهي محفوظة وباقية ببقاء الحياة فكم من اللغات سادت ثم بادت واندثرت فلاتري لها أثراً لكن لغة القرآن معين فياض لا ينضب، كما أنها هي لغة أصل الجنة كما ورد في الأثر. نحن اليوم أمام تحديات حقيقية، فالضعف اللغوي ظاهر خارج قاعات العلم وداخلها، حتي من نظنهم أهلاً للتحدث والفصاحة كالخطباء والائمة والإعلاميين ورجال التربية بات بعضهم يوجه نحو لغتنا الجميلة الضربة تلو الضربة فصارت تشكو وتتألم حين ينصب المرفوع أو يجي المنصوب أو تنطق ألف الوصل همزة قطع ليختل المعني في ذهن المستمع وربما يصير إلي عكسه تماماً. إن اللغة هي وعاء الفكر والإبداع، ووسيلة التأليف والابتكار، وسبيل التواصل والاتصال، وناقلة الحضارة والمعرفة والعلم عبر العصور، وما نهضت أمة من الأمم إلا بنهضة لغتها، فكما يقول الشاعر: »وكم عز أقوام بعز لغات« لذا وجب علي كل عربي غيور أن يصوفن لغته ضد كل موجات التغريب والعامية وسيطرة الابتذال في الحديث والكتابة، لأن الضربة الموجعة تكمن في سيطرة العامية وإهمال قواعد وأصول اللغة. إن اللحن في الكلام عيب من أسوأ عيوب المتحدثين، لأنه يغير المعني، ويقلب المبني، ويؤذي السامع وبخاصة إذا كان من أهل اللغة الفاهمين قواعدها وبيانها وعروضها، يقول مسلمة بن عبدالملك »اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه«، ويقول عبدالملك بن مروان: »اللحن في الكلام أسوأ من الفتق في الثوب النفيس، واللحن في الكلام كالنقطة السوداء في الثوب الأبيض«، ونحن نقول: إن سلامة النطق وقوة البيان شرطان ضروريان لاغني عنهما لكل أديب أو خطيب أو إذاعي أو رجل دولة ناجح، وما أصدق قول الشاعر: وما حسن الرجال لهم بحسن... إذا لم يسعد الحسن البيان كفي بالمرء عيباً أن تراه... له وجه وليس له لسان فإذا كانت الأممالمتحدة قد أقرت واعترفت باللغة العربية كواحدة من أهم لغات العالم، فالأجدر بأهلها أن يتوجوا ذلك الاعتراف بمزيد من الاهتمام لتقوم المدارس والمعاهد والجامعات والمجامع اللغوية ووسائل الإعلام بدور أوسع للحفاظ علي هذه اللغة مع التجديد في الدرس اللغوي الحديث ليقبل عليه الدارسون والمثقفون بحب ورغبة بعيداً عن الجمود وطرق التدريس التقليدية التي تقوم علي حفظ القواعد والمتون وتلقينها دون إبداع ولا ابتكار ولا إعمال للعقل، ومن ثم يكون الضعف اللغوي متأصلاً في أجيال بنيت قواعد اللغة لديها علي خطأ منذ البداية. إن قليلاً من الوقت يخصصه الإعلام بوسائله المختلفة لهو كفيل بتغيير مسار لغتنا لدي الدارسين وغير الدارسين علي السواء بل إن بعض البرامج القصيرة مثل »قل ولاتقل -لغتنا الجميلة- كتاب عربي علم العالم- المجلة الثقافية- قال الفيلسوف« وغيرها مما أبدعته قريحة أهل الفكر قد شكلت وجدان أجيال عديدة مازال الكثيرون يذكرون ما تعلموه وحفظوه منها كشواهد في كلامهم أو كتاباتهم. وختاما نقول: الكلام أعجمي فإذا دخل عليه النحو أعربه، والنحو في الكلام كالملح في الطعام، والإمام علي كرم الله وجهه يقول: من أراد ان يري في نفسه الهيبة فليتعلم النحو، فهل نستيقظ اليوم قبل الغد، .