خيري شلبي واحد من أهم كتاب الرواية في العالم العربي ، له مذاق خاص في كتاباته التي يتميز بها بما يملكه من موهبة الحكي ، فهو حكاء جذاب يستطيع أن يسرقك من نفسك ، ويأخذك إلي عالمه القصصي لدرجة انك تشعر كأنك احد أبطاله ، لديه قدرة علي الإبحار داخل عوالم الريف المصري وكأنه لم يغادره يوما ، في مخيلته الإبداعية قصص وحكايات لا يعرفها غيره ، ولذا عندما يكتب عن الريف تشم رائحته بين السطور ، وتعيش أجواءه بلا أي إحساس بأنك بعيد عن القرية بكل ما فيها من جمال وحزن وفرح ووجع وظلم . له أكثر من سبعين كتابا ما بين رواية والقصة والمسرحية والدراسة ، من أشهرها " وكالة عطية " و" صالح هيصة" ثلاثية الامالي "و" زهرة الخشخاش" و" نسف الأدمغة " و" صحراء المماليك " وترجمت أعماله إلي الانجليزية والفرنسية والألمانية والروسية والصينية والكورية والأردية أعادت دار الشروق في هذه الأيام روايته الجميلة "الأوباش" والتي صدرت للمرة الأولي عام 1978، يكشف الكاتب الكبير خيري شلبي صفحة من أسرار ريف الدلتا في بدايات الخمسينيات. حيث ينسج عالمًا واسع الثراء عن »طلعت« الذي يبحث عن أبيه »القاضي« الذي زار بلدتهم لأيام تزوج فيها الأم "توحيدة"، ثم اختفي ولم يظهر أبدًا. وتتبُّع الشرطة والأهالي لحقيبة »الحاج سليم« مقاول الأنفار التي اختفت من بيت عمدة القرية بما تحتويه من »كنز« هائل، أغلب الظن أنه من الحشيش، بعد مقتل المؤذن، الذي كان متوقَّعًا أن يصبح الشاهد الوحيد علي السارق، في الليلة نفسها. وبلغته التي تعرف هؤلاء الفلاحين، وتنتمي إليهم، وتقبض علي حقيقتهم، يحكي لنا خيري شلبي عما طال الفلاحين من قهر السلطة، ومكرها، وفساد الأفندية الذين يعملون من أجلها. في »الأوباش« يأسر خيري شلبي كلا من أبطاله وقرائه بحكايات أخّاذة، وتحقيقات رسمية، وشكاوي كيدية، ونمائم لا تنتهي. فيصحبنا جميعًا إلي عالم ساحر نود لو بقينا فيه رغم ما فيه من آلام ويقول خيري شلبي في الفصل الثالث عشر تحت عنوان " بيوت الغرباء "يصف احد الأيام العصيبة التي تمر علي الأنفار وهم داخل الإسطبل في انتظار تقرير مصيرهم في التحقيق معهم حول مقتل مؤذن البلد : أربد وجه النهار . صار رماديا غائما. لا نسمة هواء،الجو ناشف كالحديد الصلب ، وكأن الكون كله قد اختفت أنفاسه ، كانت أكوام الردم تترامي علي حافة الترعة ، وأشجار الجزورين تقف في قلبها طويلة كهيافة الرجال ، تتدلي فروعها ميتة لا حياة فيها . شراذم الأنفار ملقاة علي أكوام الردم رجالا ونساء وأطفالا يتسربون في خرق لونها الأفق الرمادي القاتم الكئيب. لون أكوام الردم لأفرع الجزورين : بقايا طين ازرق جاف . كانوا يتناثرون علي قمم عالية . يتقرفصون ينظرون أمامهم ، في بلاهة وخوف ، يلتصقون بالردم مثلما تلتصق خرقهم بأجسادهم : بفعل الرطوبة وحدها . عيونهم مرسلة إلي هناك، حيث ينتصب القصر أمامهم.. قاتم الوجه مخيفا ،معقد الشكل، عشرات النوافذ والأبواب والأضلاع، أعمدة من النوافذ الصغيرة تتسلق أعمدة أخري من النوافذ الكبيرة، أسقف من الجملون متعددة الأحجام والزوايا، فوانيس معلقة في مشاكيها، سور اخضر وحديد وجرس وبنادق، الكون كله صامت ينتظر انفجار بركان.الإسطبل في نهاية البصر، يلتف حول القصر كفتحة القوس . القصر وسطه كنجمة بأربعة وعشرين ضلعا، ومع ذلك فأقدام الأنفار تقطع المسافة بين القصر والإسطبل في ضحوة كاملة. العيون الشاخصة يصيبها الملل، ترتد باحثة عن بعضها البعض في لمعان بلا معني قد اختفي الحزن، لم يعد سوي البلادة، بقايا ذبول متجمد في الوجوه منذ زمن بعيد .