يوم الخميس الماضي كانت الذكري التاسعة لوفاة شيخ المحررين العسكرين الاستاذ فاروق الشاذلي.. والذي اختار الله "عز وجل" ان تكون وفاته في نفس ايام المعارك والانتصارات التي قام بتغطيتها ونشرها في اكتوبر 1973. لقد عشت سنوات طويلة انهل من علمه وخبرته.. واستمع لحكاياته عن الحرب ومغامراته الصحفية خاصة عن كيفية عودته من الجبهة علي سطح "فنطاس" مياه ليسلم الموضوعات والصور لنشرها لانه لم يكن في هذا الزمان "محمول او انترنت".. وكان الحصول علي تليفون ارضي من المعجزات. لقد ارتبطت بحرب وانتصارات اكتوبر منذ صباي واستمعت الي حكايتها من افواه ابطالها الحقيقيين.. واكثر ما اعتز به انني اخذت 39 بطلا في نهاية التسعنيات الي النقطة الحصينة "كبريت" والتي دافعوا عنها بعد تحريرها 141 يوما.. واستمعت لحكايتهم وذكرياتهم عن المعارك والبطولات وكيف تغلبوا علي الحصار الاسرائيلي ونقص الطعام والمياه والذخيرة .. وافشلوا كل المخططات المعادية لاستعادة نقطة "كبريت". مع بداية عملي محررا عسكريا منذ 23 عاما كان الفريق احمد نصر قائدا للقوات الجوية والذي كان برتبة عقيد ويشغل منصب قائدقاعدة المنصورة في حرب اكتوبر ..استمعت من الفريق احمد الي تفاصيل اطول واضخم معركة جوية استمرت 53 دقيقة .. وشارك فيها 180 مقاتلة مصرية واسرائيلية في 14 اكتوبر 73.. واتخذتها قواتنا المسلحة عيدا لقواتنا الجوية. ليس سرا ان المقارنة "الكمية والتكنولوجية" بين قواتنا الجوية وسلاح الجو الاسرائيلي في ذلك الوقت كانت في صالح اسرائيل.. فالامريكان لم يبخلوا علي طفلتهم "المدللة" بطائرات "الفانتوم والسكاي هوك"بالاضافة الي امتلاكها "الميراج" الفرنسية.. ونحن لا نملك سوي الميج والسخوي.. ولكن كفاءة طيارينا وضباط وافراد الخدمة الارضية بالقواعد الجوية وحسن التخطيط اعطانا التفوق علي الذراع الطولي لاسرائيل.. ففي الثالثة والربع عصراً رصدت الرادارات المصرية اقتراب تشكيل جوي معادي عن طريق البحر المتوسط متجها الي الدلتا فصدرت الاوامر باقلاع مقاتلاتنا من قاعدة المنصورة والاكتفاء بتكوين مظلة جوية فوق القاعدة للدفاع عنها.. كان الأمر محيراً لطيارينا الذين توقعوا أن يتم ارسالهم وراء طائرات العدو.. ولكن لاننا درسنا العدو جيدا وعرفنا انه "مخادع" ويقوم بالهجوم علي ثلاث مراحل.. يبدأها بموجة من مقاتلاته لجذب طائراتنا بعيداً عن الهدف الذي يريد تدميره.. ثم يرسل موجة ثانية لإضعاف دفاعاتنا الأرضية.. لتأتي موجته الرئيسية لتقصف الهدف وتدمره فكانت تلك الاوامر.. وفعلا كانت الموجة الاسرائيلية الاولي "خادعة" فعندما وجدت ان طائراتنا لم تبتلع الطعم ولن تتبعها قامت بالدوران في دوائر واسعة لبعض الوقت ثم عادت الي البحر ..وبعد ذلك ب15 دقيقة تم رصد الموجة الثانية من الطائرة المعادية تقترب من البحر المتوسط في ثلاثة اتجاهات إلي بورسعيد و دمياط وبلطيم فصدرت الاوامر لطائراتنا بالاشتباك مع طائرات العدو. وكسر تشكيلاته وتفريقه لجعله أكثر عرضة للإصابة من موجات الطائرات القادمة من قواعد اخري.. وتم اعتراض التشكيلات المعادية بالقرب من مدينة المنصورة والاشتباك معها.. وبعد ذلك بدقائق تم رصد الموجة الثالثةالمعادية تقترب علي ارتفاع منخفض فتم استدعاء مقاتلات مصرية اخري.. ودارت اضخم واطول معركة جوية وكان طيارونا يهبطون بطائراتهم ليعيدوا تحميل الأسلحة والتزود بالوقود في زمن قياسي ثم يقلعون مرة أخري ليقاتلوا العدو.. وعندما أدرك قائد الموجة الأخيرة أن الموجتين السابقتين فشلتا وأن الطائرات المصرية في الجو أكثر من المتوقع فقرر الانسحاب والهروب.. بعد ان خسرت اسرائيل في هذا اليوم 44 طائرة من بينها 18 في معركة المنصورة الجوية.. رحم الله استاذي فاروق الشاذلي وشهداءنا الابرار.