٫ المصري هو أقدم جيش نظامي في تاريخ العالم، فقد تأسس في عام 2686 قبل الميلاد علي يد فرعون مصر »زوسر«. وكان لمصر القديمة أسطول يتكون من عدد كبير من السفن يصل طول بعضها إلي حوالي خمسين مترا وتسمي »دبت عات«، أي السفينة العظيمة، كما كانت هناك إدارة خاصة تسمي »بيت الأسلحة«. واشتمل الجيش علي حملة الرماح والرماة المسلحين بالأقواس والسهام قبل ان يتطور هذا الجيش في الدولة الحديثة (بين عامي 1552 و1085ق.م) ليضم المشاة والعجلات الحربية التي تجرها الخيول. وكان أول جيش في التاريخ يتكون من جنود محترفين مدربين ومؤهلين لخوض المعارك الكبري.. ويرتدون »قميص الحرب« من الجلد أو المغطي بقشور البرونز.. لحماية الجندي. واعتبارا من الأسرة الثامنة عشرة، لم يعد هذا الجيش يشار اليه في النصوص المكتوبة باسم »جيش فرعون« بل يأتي ذكره باسم »جيشنا«، مما يعني انه صار جيشا للشعب كله، وأن الحرب التي يدخل غمارها تهم كل مواطن في مصر ولا تخص الفرعون وحده. وقد خاض هذا الجيش أول حرب تحرير في تاريخ البشرية منذ حوالي 3550 سنة لطرد الهكسوس من مصر. وقام »أحمس الأول« بتعقب هؤلاء المحتلين حتي لبنان. في تلك الأزمنة ارتفعت أعلام »جيشنا« من نهر الفرات مرورا بالشام واليمن وليبيا.. وحتي الشلال الرابع.. بل والصومال وتوصل المصريون إلي القاعدة العسكرية التي تقول: »إذا أردت السلام.. عليك أن تكون مستعدا ومتأهبا للحرب«. أما الأمجاد العسكرية.. فإنها عديدة. ففي عام 1468 ق.م، أحرز تحتمس الثالث انتصارا مدويا علي جيوش ثلاثمائة وثلاثين من الأمراء الآسيويين الذين تجمعوا لإعلان تمردهم علي النفوذ المصري واحتشدوا في »مجدو« الواقعة في شمال شرق جبل الكرمل بشمال فلسطين. وألحق تحتمس هزيمة ساحقة بهذا التجمع الضخم في ذلك الموقع الاستراتيجي الممتاز، وأرغم أعداءه علي الفرار تاركين وراءهم عرباتهم ومعداتهم. ويقول المؤرخون ان معركة مجدو ستظل إحدي المعارك الخالدة في تاريخ العالم بما تحتوي عليه من تطبيق خلاق لمبادئ الحرب الاستراتيجية. وفي عام 1285ق.م، استطاع رمسيس الثاني ان يحول الهزيمة التي تعرضت لها قواته إلي انتصار هائل عندما نجح في جعل قواته تستعيد توازنها، وتصنع ملحمة شجاعة وبطولة بكل المعايير العسكرية الحديثة في معركة »قادش« تقع في سوريا الآن حيث قام الحيثيون في آسيا الصغري ببسط نفوذهم هناك وتحريض المماليك والمدن ضد مصر. ويقرر المؤرخون انه كان ثمة جيش من أرقي ما عرف العالم من جيوش تدريبا وتنظيما وتسليحا تحت قيادة رمسيس الثاني. وكان الجيش المصري هو الذي أنقذ العالم من القبائل المتعطشة للدماء التي نشرت الموت والخراب منذ زحفت جيوش التتار بقيادة هولاكو لاخضاع كل البلاد من تخوم الصين مرورا بالعراق قبل اجتياح حلب وحماة وحمص ودمشق وغزة حتي وصلت إلي باب مصر الشرقي، وانتصر الجيش المصري علي جحافل التتار في »عين جالوت« وطاردهم حتي شاطئ نهر العاصي. حدث ذلك قبل 776 سنة. والجيش المصري هو الذي هزم قوات الامبراطورية العثمانية في معركة قونية ليصبح في عام 1833 علي مسافة خمسين كيلو مترا فقط من الاستانة اسطنبول غير ان القائد العام المصري تلقي خطابا من محمد علي يأمره فيه بالتوقف حيث ان السلطان العثماني طلب الصلح معه. وفي يونيو 1839 انتصر الجيش المصري مرة أخري علي العثمانيين في معركة »نزيب« نصيبين علي الحدود التركية. وأصبح الطريق مفتوحا إلي الاستانة بلا عوائق. وهنا تدخلت الدول الأوروبية لانقاذ السلطان (الخليفة) من مصير محتوم. ويقول المؤرخون ان معركة »نزيب« من أمجد صفحات العسكرية المصرية. هذه مجرد بضع صفحات من مجلد ضخم قبل ان يتوجها انتصار أكتوبر 1973. ولا يعرف قيمة هذه الأمجاد إلا كل وطني يحب بلاده. ولا يتجاهلها أو يقلل من شأنها ويحاول محوها.. إلا.. كل من لا ينتمي إلي هذا الوطن. كلمة السر: المخزون الحضاري المصري.