هل يمكن أن يكون هناك دستور يرضي كل الناس.. أو حتي الأغلبية. سؤال صعب لأن الإجابة دائما هي "لا ".. فإرضاء كل الناس أمر مستحيل.. وارضاء الغالبية أمر صعب . التوازن بين حقوق الشعب وواجباته وبين صلاحيات الحاكم ومسئولياته.. أمر غاية في الصعوبة . واذا أخذنا موضوعا واحدا فقط من مشروع الدستور الجديد وهو النظام الذي سيتم علي أساسه الانتخابات البرلمانية.. سنري جدلا كبيرا بين الأحزاب والتكتلات السياسية ومن أطلق عليهم مصطلح " النخبة" حول النظام الأفضل والأنسب . لكن من الواضح أن هذا الجدل لايرتكز علي مصلحة الوطن قدر ما يرتكز علي النظرة الحزبية الضيقة أو المصلحة الشخصية الأكثر ضيقا. وقبل أن نصل الي النظام الأمثل والأكثر ملاءمة في الظروف الحالية التي تمر بها مصر, علينا أن نستعرض النظامين المتاحين أمامنا ومزايا وعيوب كل منهما.. ولنبدأ بالنظام الفردي الذي رأت لجنة اعداد مسودة الدستور أنه النظام الأفضل. النظام الفردي يركز علي الأشخاص أكثر من الأحزاب والبرامج، وفكرته هي تقسيم البلاد إلي دوائر(225 دائرة) تنتخب كل دائرة نائبين لتمثيلها في المجلس.ويتميز هذا النظام بأنه يزيد من ارتباط النائب بدائرته الصغيرة، وإعطاء قضايا الدائرة فرصة أكبر لتمثيلها مباشرة في البرلمان. أي أن النائب يكون دائما من أبناء الدائرة يعرف أبناءها ومطالبهم ومشاكلهم.ويشعر الناخب في هذا النظام بأن صوته يذهب الي الشخص الذي يختاره وليس الي قائمة قد تضم شخصا لا يريده. أما نظام القائمة النسبية فهو يعتمدعلي تقديم كل حزب سياسي لقائمة من المرشحين في كل واحدة من الدوائر الانتخابية متعددة التمثيل، وفكرة الانتخابات بنظام القائمة النسبية هي التصويت علي البرامج والأحزاب، وليس علي الأشخاص. ويقوم الناخبون بالاقتراع لصالح الأحزاب، حيث يفوز كل حزب سياسي بحصة من مقاعد الدائرة الانتخابية تتناسب مع حصته من أصوات الناخبين. ويفوز بالانتخاب المرشحون علي قوائم الأحزاب وذلك بحسب ترتيبهم التسلسلي علي القائمة. وفي هذا النظام تكون الدوائر الانتخابية أقل عدداً وأكبر مساحة، مثلاً بدل أن تكون شبرا دائرة منفصلة تنتخب نائبين فقط، نضم إليها مجموعة من الأحياء المجاورة لتشكل دائرة كبيرة تختار 10 نواب مثلاً. في هذه الحالة، سيطرح كل حزب أو مجموعة أحزاب قريبة من بعضها أو حتي مجموعة من المستقلين قائمة بعشرة مرشحين للدائرة. وتتنافس قوائم الأحزاب المختلفة ويصوت الناخبون لاختيار القائمة التي تناسبهم. أهم مزايا الانتخاب بنظام القائمة النسبية أن المفاضلة بين المرشحين ضمن القائمة النسبية تكون علي أساس البرامج الانتخابية وليس علي أساس الخدمات الشخصية، أي يكون النائب في البرلمان نائبا يمثل الوطن ولا يمثل دائرته المحدودة، حيث يرتقي هذا النظام بالمعركة الانتخابية إلي التنافس بالبرامج والأفكار، بدلاً من التركيز علي الأشخاص. ويحقق هذا النظام عدالة تمثيل الأصوات في مجلس الشعب، أي أن قيمة صوت أي ناخب متساوية، بصرف النظر عن حجم دائرته. ويقلل نظام القائمة من دور المال وتأثير شراء الأصوات بسبب اتساع مساحة الدائرة وصعوبة توجيه هذا العدد الكبير من الناخبين ويسهم نظام القائمة في إفراز سلطة تشريعية تضم ممثلين عن كل من مجموعات الأكثرية والأقليات في ذلك المجتمع. وذلك لكون النظام يعمل كحافز لدي الأحزاب السياسية لتقديم قوائم متوازنة من المرشحين يمكنهم من خلالها التطلع لدعم أوسع شريحة ممكنة من الناخبين .., ويسمح بتصعيد المرأة للبرلمان لكون أسماء المرشحات ستدمج ضمن القوائم، بدون الحاجة إلي الكوتا. كما يسمح للكفاءات من الشباب والرموز من المسيحيين من الوصول الي البرلمان بصورة لا تتوافر في النظام الفردي ويسمح هذا النظام للأحزاب السياسية أن تعزز من مكانتها في المجتمع وتتقوي شيئا فشيئا ولاسيما الأحزاب ذات المشروع الوطني.و يصعب علي المرشحين في ظله استخدام الرشوة الانتخابية وشراء الأصوات والذمم وذلك لاتساع مساحة الدوائر وكثرة عدد الناخبين.كما أن الناخب سيشعر بأهمية صوته في الانتخابات مما سيجعله يهتم بقراءة ومتابعة برامج الأحزاب المختلفة وتاريخ وسيرة الأشخاص التي سترد ضمن القوائم المتنافسة في نطاقه الجغرافي لأن التنافس سيتركز حول البرامج أكثر من تركزه حول الأشخاص، وهو أمر سينعكس ايجابياً علي الوعي السياسي بين الأحزاب السياسية وبين الناخبين. أما عن العيوب .. فلكل من النظامين عيوب كثيرة قد تكون لنا في المقال القادم فرصة لاستعراضها ونصل معا الي النظام الأمثل والأكثر ملاءمة.