لقد خرج شباب مصر ، وهو أمل هذه الأمة ، وزخرها وصانع مستقبلها ، ليتوج تاريخ مصر المجيد بثورة 30 يونيو 2013 ، وإنساقت وراء هذا الشباب اليقظ بقية جموع شعب مصر العظيم بشيوخه ونسائه ومؤسساته العريقة ، إذ رأت في هذه الثورة السلمية ذات القلوب السليمة إستعادة لمكانة مصر. بعد أن رسب النظام السابق في الإحتفاظ بها علي طريق التقدم ، وإنزلق بها إلي هاوية الذوبان والأوهام ، ليحط من قدرها ويضع فوق قامتها كيانات هلامية توهم أنها تعلو عليها. لذلك خرجت جماهير مصر الواعية الأبية في جميع محافظات مصر ومدنها وقراها بملايين عديدة، لم ير العالم مثلها من قبل ليعلو صوتها بالميادين مسمعاً العالم كله برفضه لهذا النظام الذي تأكد فشله وعدم أهليته لتولي أمر مصر المحروسة ، وطالبت هذه الجماهير بمطالبها المشروعة إسلامياً ودستورياً وثورياً ، إذ وافقت أحكام الشريعة الإسلامية في سلميتها، ومقاومتها للظلم وأمرها بالمعروف في أعلي درجاته وهو تولية الأمر لمن هو أهل له ، وحجبه عمن إعوج عن الطريق القويم. وقد رددت الدساتير كلها أن السيادة للشعب وحده ، وأن علة السلطة هي قيامها علي تحقيق أهدافه ، فإن لم تفعل فقدت سندها ، وما كانت الثورة إلا لتقاوم الطغاة الذين يستخدمون السلطات التي ناطها الشعب بهم لأهداف خاصة تخرج عن نطاق خدمة الوطن . ولقد وقفت المؤسسات العليا في الدولة المصرية ،من الأزهر والكنيسة والجيش والقضاء والشرطة وغيرها،وهي مؤسسات واعية ، حفيظة علي الأمانة ، عليمة بحقيقة دورها، إلي جوار شعب مصر في ثورته المجيدة مطالبة بتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا، مسئولية إدارة مرحلة إنتقالية، تنتهي بوضع دستور جديد لهذا الوطن ، وإنتخاب برلمان ورئيس للجمهورية، لتستكمل مؤسسات الدولة الدستورية. وما كان لرئيس المحكمة الدستورية العليا أن يتخلف أو يتراخي في تحمل ما يوكل إليه من شعب مصر الأبي ، من مهام وطنية، ترسخ لنظامه الدستوري ، وتحافظ علي كيان الدولة المصرية، ومكوناتها ، وتدرأ ما يحيق بها من أخطار جسام ، داخلية أو خارجية ، وتساهم في تقدمها ورفعتها ، ورسالتي إلي المستشار عدلي محمود منصور رئيس الجمهورية المؤقت ، ممن يعرف إخلاصه وحبه الشديد للعدل والحق، وعشقه للوطن ، بأن يضع مؤسسات الدولة الرئيسية فوق منصب رئيس الجمهورية فهي عُمد الدولة وأركانها ، وبعد ذلك هي تاج رئيس الدولة وسنده، عقلاً ويداً ، لذا يجب عليه أن يكون قائماً علي خدمتها حريصاً علي رفع شأنها الذي هو من شأن الدولة بأسرها. وما أضاع النظام السابق، الذي بلغ من السوء مبلغاً كبيرا، إلا رغبته في وضع هذه المؤسسات العريقة في خدمة رئيس الدولة لتسير وفق هواه، وليحط من قدرها ، ويوهن عزمها ، وينهك قواها ، ليصرفها بذلك عن دورها المستهدف من قيامها ، لكن هيهات أن ينال منها أحد .ثم بعد يا سيادة الرئيس لتنتقي مساعديك ووزراءك بلا حرج، كل لما هو أهل له ، فإني أخشي عليك من أدبك الجم ، فأرجو ألا تخجل من ان تنصرف عمن يضيع وقتك الذي هو وقت البلاد ، أو أن ترد من يطلب ولاية ليس أهلا لها، فهذا حقك ، بل هو واجب عليك تجاه شعب مصر العظيم ، الذي أبدع في ثورة الأيام الثلاثة. ورسالتي إلي أكابر النظام السابق أن أحذروا أن تكونوا ممن ينطبق عليهم قول الحق سبحانه وتعالي في سورة البقرة: [وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ] أدعو الله أن يتم هذه الثورة العظيمة دون إراقة مزيد من الدماء الذكية البريئة، ولتهدأ طبول الإقتتال بين صفوف الشعب الواحد. كاتب المقال رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا