فرض آلان جيريس القصير القامة (163 سنتم) نفسه في السبعينيات والثمانينيات كأحد أفضل لاعبي خط الوسط في تاريخ منتخب فرنسا. فإلى جانب زميله ميشيل بلاتيني، كان جيريس أحد صانعي الألعاب المميزين الذي قادوا منتخب بلادهم إلى إحراز أول لقب كبير له وتحديداً في كأس أوروبا عام 1984، بالإضافة إلى بلوغه الدور نصف النهائي التاريخي من كأس العالم أسبانيا 1982. وبالإضافة إلى مسيرة مميزة في صفوف بوردو حيث فاز معه بالدوري المحلي مرتين، دخل الأسطورة من خلال دوره في "المربع السحري" لخط وسط منتخب فرنسا المؤلف آنذاك من ميشيل بلاتيني ولويس فرنانديز وجان تيجانا. ولد جيريس في منطقة لانجواريان التي تبعد 25 كلم عن بوردو، وقد انضم في شبابه منطقياً إلى مركز تكوين بوردو بعد أن زاول مهنة النجارة. وعندما بلغ الثامنة عشرة من عمره وتحديداً في 12 أكتوبر عام 1970، خاض أول مباراة رسمية له في صفوف بوردو ضد نيم أوليمبيك (1-1). لكن المجد كان لا يزال بعيداً بالنسبة لصانع الألعاب. إذا كان هناك إجماع على موهبته، فإنه لم يتمكن من قيادة فريقه إلى الأعالي. لم يكن بالإمكان مقارنة بوردو في تلك الفترة بالأندية الكبيرة أمثال سانت إيتيان ونانت وأوليمبيك مرسيليا التي سيطرت على الألقاب المحلية. في المقابل، فإن بوردو كان فريقاً يصارع دائماً للبقاء ضمن أندية النخبة ولم يكن هذا الأمر بالتالي مثالياً للاعب شاب يريد إبراز موهبته. لكن على الرغم من ذلك، فرض جيريس نفسه في مركز صانع الألعاب حيث تألق بفضل فنياته العالية ورؤية ثاقبة في الملعب. جيل موهوب: بعد أن أصبح قائداً لبوردو على الرغم من النتائج المتواضعة لفريقه، خاض جيريس أول مباراة دولية له في 7 سبتمبر عام 1974 ضد بولندا ويتذكر قائلاً "تلك المباراة الأولى الرسمية لي ضد بولندا هي ذكرى مليئة بالأحاسيس بالنسبة لي. اللعب على الصعيد الدولي هو ما كنت أصبو إليه كما أن مباراتي الأولى انتهت بفوزنا خارج ملعبنا 2-0. كنا جيلاً عفوياً إذا جاز التعبير لأن مراكز التكوين لم تكن موجودة في تلك الفترة." وعلى الرغم من بدايته الناجحة، فانه انتظر ثلاث سنوات أخرى لكي يتم استدعاؤه مرة جديدة من قبل المدرب ميشيل هيدالجو للمباراة ضد سويسرا التي انتهت بفوز الديوك 4-0 وجولة في أمريكا الجنوبية شهدت تعادلاً مع الأرجنتين 0-0 ومع البرازيل 2-2 في ماراكانا. لكنه لم يكن ضمن التشكيلة الرسمية التي شاركت في كأس العالم الأرجنتين 1978 وهو ما يشعره بالحزن وقال بحرة في هذا الصدد "في السبعينيات لم يكن أحد ينتبه اإلي مع أنني خضت مواسم رائعة." لكن الدولاب سرعان ما دار مع قدوم كلود بيز إلى بوردو الذي ترأس النادي ليجعل منه الرقم واحد في فرنسا. بوجود المدرب إيميه جاكيه وجيريس كصانع ألعاب، أصبح بوردو الذي ضم أيضاً الثلاثي ماريوس تريزور وبيرنار لاكومب وجان تيجانا قوة لا يستهان بها في الدوري الفرنسي. هذا الصعود الصاروخي من الناحية الجماعية يجسد المواهب الفردية أيضاً. فبعد أن كان منسياً لفترة طويلة، بات جيريس عنصراً أساسياً في صفوف المنتخب الفرنسي. وكان جيريس في الثلاثين من عمره عندما انطلقت كأس العالم أسبانيا 1982 ، لكن المستقبل كان أمامه.خاض بطولة رائعة، ففي الدور نصف النهائي ضد ألمانياالغربية، سجل هدف التقدم 3-1 في الوقت الإضافي. وظن جيريس الذي احتفل بالهدف بشكل جنوني بأنه وضع فريقه على طريق بلوغ المباراة النهائية، لكن كارل هاينز رومينيجه وكلاوس فيشر ثم ركلات الجزاء أطاحوا بالحلم... ولكن الهدف يبقى الأجمل في مسيرته، وهو صورة عن مسيرته. تألق "المربع السحري" بشكل غير مسبوق ويشرح جيريس بقوله "كان التفاهم كبيراً جداً بين هذا الرباعي الذي تكون منه خط وسط منتخب فرنسا في تلك الفترة كما كانت النوعية متقاربة ووضعنا أنفسنا في خدمة الفريق. لا شك بأن ميشيل بلاتيني بفضل رؤيته الثاقبة ونجاحه في إنهاء الهجمات كان قائداً للأوركسترا. كنت أشغل دوراً في تموين زملائي في الكرات، في حين كان لويس فرنانديز وجان تيجانا يميلان إلى استرجاع الكرة ثم شن الهجمات. كان خط الوسط بمثابة ورشة عمل على أن يقوم بلاتيني بأنهاء الهجمات." يقين الفوز: ساهمت عروضه اللافتة في أسبانيا 1982 في احتلال جيريس المركز الثاني في جائزة الكرة الذهبية في ذلك العام وراء باولو روسي. واستمر في تألقه وقاد بوردو الى اللقب المحلي عام 1984 للمرة الأولى منذ عام 1950. وعاش جيريس القصير القامة الكبير في الفعل، عاماً كبيراً بإحرازه كأس الأمم الاأوروبية عام 1984 أيضاً. ويتذكر بقوله "في ذلك العام بلغ المنتخب الفرنسي ذروة مستواه. لقد وضعنا الفوز هدفنا قبل انطلاق البطولة قبل أن نحققه. أثبتت فرنسا الترشيحات التي صبت في مصلحتها ونجحت في الذهاب إلى النهاية في خمس مباريات على الرغم من الضغوطات الكبيرة. لقد جاء إحراز اللقب القاري ليتوّج جهوداً كبيرة مليئة باللحظات الرائعة بين عامي 1981 و1986. أشعر بالحنين لتلك الفترة الشبابية. أتذكر تماماً بأنني عندما تركت بوردو وتوجهت إلى باريس للإلتحاق بصفوف المنتخب الفرنسي على ملعب بارك دي برينس، كنت اشعر بأني أكيد من تحقيق الفوز." وبعد سنة، قاد جيريس بوردو إلى لقب محلي جديد وإلى بلوغ فريقه الدور نصف النهائي من كأس أبطال الأندية الأوروبية ويقول في هذا الصدد "كانت تمتلكنا قوة مطلقة لدرجة انه عندما كنا ندخل إلى أرض الملعب كنا نشعر بأننا سنخرج فائزين كل مرة." وكان جيريس سجل هدفاً رائعاً من كرة ساقطة في مرمى مرسيليا ليهدي فريقه كأس فرنسا عام 1986. ويعتبر سجل جيريس مع بوردو ناصعاً وكان له تأثير كبير عل الفريق على مدة 18 عاماً قضاها في صفوفه. وبعد تجربة لمدة موسمين في صفوف مرسيليا في نهاية مسيرته (67 مباراة و5 اهداف)، خاض جيجي آخر مباراة دولية له خلال نصف نهائي كأس العالم المكسيك 1986 ضد ألمانيا في 25 يونيو 1986. وبعد موسمين وتحديداً في 4 يونيو عام 1988 وإثر خوضه مباراة فريقه مرسيليا ضد موناكو (2-0)، أعلن اعتزاله اللعب نهائياً. وأطلق جملته الشهيرة في تلك الفترة قائلاً : "يملك كل رياضي كبرياءه. وهو يفضل الرحيل قبل أن يطلب منه أحد الاعتزال."