من أجمل التفاعلات الإنسانية في العالم الاعتذار, ويزيد جماله ورونقه كلما كان المعتذر شخصا ذا حيثية او مقام رفيع او سطوة او جاه او ما شابه, فلسبب ما غير معروف ويعتقد البعض ان كلمة الاعتذار حين تصدر عن شخص, فإنها تقلل من قيمته او تؤثر سلبا علي صورته او تنال من سمعته, لكن الحقيقة ان الاعتذار حين تصدر عن شخص محترم, فإنه يعلي من شأنه فمثلا حين خرج رئيس الشركة المصرية لتشغيل وإدارة مترو الأنفاق المهندس محمد الشيمي عبر إحدي القنوات الفضائية الخاصة ليعتذر لركاب المترو عن تعطل المترو بهم لمدة35 دقيقة يوم الاثنين الماضي وجدت نفسي وكأنني اتنفس هواء نظيفا تزيد فيه نسبة الأكسجين علي نسبة ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات والعوادم التي اعتادت عليها الرئة, صحيح ان الاعتذار تم من خلال فضائية ليست رسمية, وأنه لم يتخذ الصبغة الرسمية التي يعتذر فيها المسئول عن خطأ حدث للشعب, ولكن اول الغيث قطرة, فقد اعتدنا في مصر علي التعرض لكل أنواع الأعطال والحوادث والكوارث والمشكلات التي لا ينبغي ان تحدث دون ان يلتفت الينا كبار المسئولين ليبلغنا عن سبب حدوث المشكلة, او توقعه بالزمن المتوقع لحلها, او حتي ان كانت هناك نية لحلها من الأصل, ناهيك عن الاعتذار عن حدث ليس هذا فقط بل ان المسئول كان ومازال في الأغلب يظهر علي شاشات التليفزيون أو علي صفحات الجرائد ليتحدث بمنتهي العنجهية مؤكدا ان انهيار العمارة السكنية علي رءوس السكان حدث بسبب السكان الذين رفضوا ان يبرحوا العمارة, او ان تصادم القطارين حادث فردي يحدث في جميع انحاء العالم, وليس مؤشرا علي التهاون او التواكل او الاهمال او الفساد, وإن كانت هناك شبهة فساد فإنها ملتصقة بالسائق ومساعده, وناظر المحطة, وقد يخرج ليؤكد ان حادث السير الذي راحت ضحيته العشرات سببه السائق الذي لم يتبع اصول القيادة ولم يلتزم بالسرعة المقررة, وبالطبع فإن احدا لا يذكر من قريب او بعيد ان مسئولي المرور يتهاونون في تنفيذ القانون, او يغضون الطرف عن الخروج علي قواعد القيادة, باستثناء مواسم جني حصاد مخالفات حزام الأمان أو استخدام المحمول, اما القيادة الجنونية او الرعونة التي تقتل المواطنين, فليست مشكلة يعتد بها, وبالتالي فإن خروج مسئول يعتذر عما حدث دون محاولة إلصاق التهمة او المشكلة بآخرين هو في حد ذاته انجاز, وللعلم فإن الاعتذار سمة من سمات التحضر والتقدم والثقة في النفس, وهو دليل علي القوة ودليل دامغ علي الرغبة في إصلاح الخطأ, اما تجاهل حق الآخرين في سماع الاعتذار, او للحصول علي تبرير, والتصرف معهم باعتبارهم مجبرين علي تجرع وجود شخص ما في منصب ما مهم بغض النظر عن ادبه او اخلاقه او تهذيبه فهذا غير مقبول, وكون المصريين اعتادواعلي التعايش مع تجاهل المسئولين لأخطائهم وعدم المبادرة بالاعتراف بها, علي اساس ان المسئول طالما يحتفظ بكرسيه فهو لا يخطئ وانه حتي لو أخطأ فإن اعترافه بالخطأ غير وارد, لا يعني بأي حال من الأحوال ان الوضع صحي او مقبول, وإذا كنا هذه الأيام نبحث جديا في تدريس مادة تعيد زرع القيم والأصول التي فقدها المصريون لدي الأجيال الجديدة, فجدير بنا أن نعلمهم ونغرس فيهم ثقافة الاعتذار, واقترح ان نبدأ بالاعتذار عما أصاب نظام التعليم من وهن وتحلل وفوضي, وهو ما أصاب المجتمع في مقتل, وهذه دعوة للجميع للاعتذار عما يبدو منهم تجاه الآخرين, وما أكثر ما نقترفه في حق من حولنا, سواء كنا عامدين أو دون قصد. المشكلة هي أن الاعتذار يحتاج إلي كم هائل من الشجاعة, فهل نملكه؟ المشكلة هي أن الاعتذار يحتاج إلي كم هائل من الشجاعة فهل نملكه؟ [email protected]