قرأ مؤيدو الرئيس خطابه بإيجابية وأكدوا أنه يرضي طموحاتهم- رغم تأخره- بنسبة تتراوح بين70 و90%, وقرأه الكارهون بنظرة سلبية وتهكمية كالعادة بتصيد الكلمات والعبارات والإيماءات. والتعليق عليها دون النظر إلي مضمون الخطاب, وقرأه المعارضون علي أنه لم يقدم جديدا وأن علي الرئيس أن يرضخ إلي مطالبهم وإلا فلا حوار ولا لقاء, أما بقية الشعب الكادح البسيط الذي لايجد ما يأكله أحيانا فالمؤكد أنه لم يقرأ خطاب الرئيس علي أي نحو, ولم يكن يشغله منذ قامت الثورة وحتي الآن سوي لقمة العيش ومطالب أخري تحقق له الحد الأدني من الحياة الكريمة. ردود الفعل علي الخطاب كلها تمثل علامة صحة رغم تباينها, فهي تؤكد أن مصر أصبحت فيها حرية حقيقية وأن من حق أي طرف أن يبدي رأيه دون خوف أو تردد وبعلانية كاملة, بل يعلن خططه السياسية و التخريبية أيضا بشكل مسبق, ولكنها تظهر بوضوح أن ثقافة الاختلاف في الرأي والتداول السلمي للسلطة مازالت بعيدة المنال, وأنه مازالت أمامنا أشواط عديدة من الحراك السياسي والانتقال الديمقراطي حتي تترسخ هذه الثقافة. لاحظت في استقرائي لخطاب الرئيس أنه سد كثيرا من الثغرات وحقق عددا من المطالب ورسم جزءا من خريطة المستقبل, وأنه في الحد الأدني- كان مناسبا للظروف التي قيل فيها والملابسات التي أحاطت به, كان الرجل صريحا فاعترف بأخطائه وتحدث عن ضرورة التصحيح, واتخذ بالفعل إجراءات من شأنها أن تكون نقطة بداية نحو استكمال أهداف الثورة وتحقيق الحياة الكريمة للمواطنين, إلا أن أكبر العقبات والتحديات التي أقر بها الرجل تتمثل في حالة الانفلات الأمني ووجود جيش جرار من الموالين للنظام السابق مزروعين في كل أجهزة الدولة ومازالوا يراهنون علي عودة ذلك النظام. التحديات التي تواجه الرئيس كبيرة جدا, ونجاحه في الانتقال بمصر إلي دولة ديمقراطية مدنية حديثة, كما تعهد بذلك في برنامجه الرئاسي, مرهون بأن يتجاوز عقبات هذه المرحلة بجراحة دقيقة, كما ذكر في خطابه, لكننا لايمكن أن نحمل الرئيس وحده المسئولية, إذ بدا واضحا أن قطاعا من المعارضين يضع كل المعوقات الممكنة في طريقه ويريد أن يحرق الأرض تحت قدميه, ليس لأن الرئيس يخطئ, ولكن لأن الكرسي أخطأ طريقه إليهم وذهب إلي مرسي بانتخابات حرة. عندما نقرأ ردود أفعال المعارضة الراديكالية علي خطابات مرسي وقراراته ودعواته المتكررة للحوار سندرك جيدا أن المسألة ليست مسألة مصلحة وطنية ولا ديمقراطية ولا تداول للسلطة, فالمطلب الأول لهم الآن هو الإطاحة بالرجل وتشكيل مجلس رئاسي والمطلب الثاني هو حل مجلس الشوري والثالث هو إلغاء الدستور, يعني انقلابا كاملا علي أبسط قواعد الديمقراطية وعلي الشرعية وعلي الدولة ذاتها, فماذا بقي إذن وما الهدف من كل ذلك؟ الهدف أن تعود مصر إلي الوراء بهذا الانقلاب ونبدأ مرحلة ضبابية لا نعلم تحديدا متي ولاكيف تنتهي, والمهم أن يفوز الانقلابيون بالغنائم التي لن تكون موجودة أصلا, وسيكون الكل خاسرا بلا أدني شك. إنها حماقة سياسية كبيرة ومغامرة غير محسوبة العواقب, أن يعتمد فصيل سياسي أو عدة فصائل فكرة الانقلاب علي أول تجربة ديمقراطية في تاريخ مصر, ومن يتصور أنه سيعيد عقارب الساعة إلي الوراء أو أنه سيمارس دور الوصاية علي الدولة, ومن يتخيل أنه سيأخذ نصيبا من التورتة علي أي مستوي فهو واهم, لأن الظروف والمعطيات السياسية تغيرت تماما, يؤكد هذا ماجري من استفتاءات وانتخابات خلال العامين الماضيين, ويؤكده أيضا تحول كل التيارات والجماعات والقوي الإسلامية وغيرها من القوي العلمانية والائتلافات الثورية إلي العمل السياسي العام, حيث أصبح لكل هذه التكتلات والجماعات والقوي أحزاب تعبر عنها, ومن ثم فالرهان علي تغيير سياسي بالقوة لم يعد واردا. [email protected] رابط دائم :