بينما يدعم رئيس مجلس النواب نبيه بري مقترحات العودة إلي اعتماد الخدمة الإلزامية في الجيش, ويدعو البطريرك الماروني نصر الله صفير المسيحيين إلي الانخراط في الجيش ليبقي علي توازنه, تتهم أوساط سياسية الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري وسابقاتها بالتقصير في حق المؤسسة العسكرية الوطنية علي الرغم مما تقوم به من مهام للحفاظ علي السلم والأمن, وزيادة أعبائها منذ عام2005 بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان, وعلي الرغم من مطالبة المقصرين بإنهاء سلاح المقاومة وحزب الله! ما يعتبره المعارضون محاولة لكن لا المقترحات التي يدعمها بري تلقي قبولا, ولا دعوات البطريرك تلقي استجابة, ولا الحكومة متهمة بعدم الوفاء بتعهداتها بمنح الجيش أولوية في الموازنة العامة, ولا مجلس النواب عقد جلسة لمناقشة مشروع قدمته قيادة الجيش في هذا الشأن. ويرجع عدم القبول أو التجاوب إلي سببين رئيسيين يحددهما وزير الدفاع الأسبق عبدالرحيم مراد في: أولا: أن أغلبية الشعب اللبناني ومن ثم شبابه موجودون في الخارج( نحو8.6 مليون مغترب) وفي الداخل(3.2 مليون) يرسل الآباء أبناءهم للخارج لعدم التجنيد عندما كان إلزاميا, ففقدنا بالاغتراب شبابنا, وثانيا: أن بعض الشباب لم يعتد أن ينفذ برنامجا غذائيا لزيادة وزنه أو يقطع إبهامه أو يلجأ إلي مثل هذه الجيل للتهرب من التجنيد الإلزامي, ويضيف: أن الجندية كانت تحت شعار تخفيف الطائفية عندما تجمع السني والشيعي والمسيحي معا تحت العلم, لكن للأسف أثبت مشكلات بين الجنود لأسباب طائفية أو مذهبية. ويوضح أن هذا الموضوع أثير عندما توليت منصب وزير الدفاع, وعندها اجتمعت مع قائد الجيش( الرئيس الحالي) ميشال سليمان لمناقشة الأمر, وسألته عن رأيه في عودة التجنيد الإلزامي, وإسهام ذلك في تخفيف حدة الطائفية, فأجاب بأن تعزيز الجيش شيء.. وأن استهداف تحقيق هدف وطني( سياسي) أمر لا يخصه. يومها أكد سليمان, في نقاشه مع وزير الدفاع آنذاك, أنه كقائد للجيش لا يفضل تجنيدا إلزاميا لنحو20 ألف شاب لأنه يكلف الجيش مالية دون عائد حيث يتم تدريبهم لمدة3 أشهر لفترة تجنيد مدتها6 أشهر فقط يتولون خلالها مهام معينة ثم سرعان مع يغادرون الجيش دون أن يستفيد منهم فترة طويلة. ويضيف مراد أن سليمان رأي أن عناصر متفرغة( متطوعين) يتراوح عددها بين5 و7 آلاف أفضل للجيش ولمهامه لأن المتفرغ يساوي خمسة من المجندين إلزاميا, وأن الموازنة التي تغطي تكلفة المتفرغين أقل بكثير من الموازنة اللازمة للتجنيد الإلزامي. ويشير مراد إلي أنه بناء علي ذلك ذهب بالمشروع إلي مجلس النواب لأنه اقتنع بوجهة نظر سليمان في أن العناصر المتفرغة بشكل ثابت ودائم ومستمر أفضل من مجندين يأتون ويذهبون, ويشدد مراد علي أنه لهذه الأسباب لا يحبذ العودة إلي التجنيد الإلزامي. ويقول: دعونا نتكلم بصراحة ولا نضحك علي أنفسنا, فالجيش في لبنان لا يستطيع أن يواجه إسرائيل في حرب نظامية, بينما يستطيع أن يكون عاملا مساعدا للمقاومة المنتشرة علي الحدود وفي الوديان والسهول والجبال والمنازل, فالمقاومة في مواجهة المشروع الصهيوني أفضل بكثير من الجيش المكشوف, وأثبتت بالفعل أنها الخيار الأفضل للدفاع عن لبنان, ومن ثم علينا البحث في تعزيز المقاومة وتسليحها بأسلحة متطورة مضادة للطائرات, وبمدفعية وبصوريخ أرض جو. وأوضح: كوزير دفاع سابق مطلع علي التفاصيل والإمكانات المتوافرة لدي الجيش واحتياجاته أستطيع القول إن سلاح الجيش حاليا لا يكفي لحفظ الأمن الداخلي, أو لصد عدوان إسرائيلي, سواء من حيث العتاد أو العدد, ومن ثم فإن الذي يطالب بنزع سلاح المقاومة يطالب بحقيقة الأمر بزج الجيش في مواجهة إسرائيل, ومن ثم يهز الجيش وطنيا, ويقول: نحن لا نستطيع في أي حرب نظامية أن ندافع عن أنفسنا ضد أي عدوان بالجيش فقط, وهذا الوضع سيظل مستمرا إذا لم يتسلح الجيش اللبناني بالإمكانات اللازمة والكافية. وفي هذا الصدد أيضا لفت مراد إلي طلب لبنان من روسيا في فبراير الماضي تعديل هديتها من طائرات ميج مقاتلة إلي طوافات( هليكوبتر), فالميج أصبحت دقة قديمة وليست لها قطع غيار, وليس لدي لبنان أموال لشراء قطع غيار, ولا يوجد طيارون أصلا علي هذا النوع, ولا هناجر, ولا إمكانات صيانة, فماذا كنا سنفعل بها؟ لذلك أبلغنا الروس بإعطائنا حاملات جنود أو أي شيء مفيد, وهذا الأمر يأتي في إطار تأكيد الرئيس ميشال سليمان أن لبنان يواجه التهديدات بجيشه وشعبه ومقاومته, والأخيرة نضعها بين رموش عيوننا حسب قوله. أما علي صعيد دعوة البطريرك فيراها وزير الدفاع اللبناني السابق أن هذه الدعوة مجرد مماحكة سياسية, لأن عدد المسيحيين في الجيش أصبح قليلا, والأسر المسيحية لا تحبذ تفرغ أبنائها, ومن ثم فهذه الدعوة هدفها تحويل الصورة عن المقاومة, وتصب في خانة العداء لسلاح المقاومة, مشيرا إلي أن المسلمين( سنة وشيعة) يبلغون الآن نحو80% من عدد أفراد الجيش. وبصرف النظر عن الأهداف السياسية وراء هذه المقترحات والدعوات فإن الحكومة لم تف بعد بتعهداتها في بيانها الوزاري في نوفمبر الماضي, الذي حازت علي أساسه ثقة البرلمان بشأن منح الجيش أولوية في الموازنة العامة للدولة لرفع مستوي استعداداه للدفاع عن البلاد, وحتي المشروع الذي كانت قيادة الجيش قدمته في هذا الشأن إلي وزير الدفاع الحالي إلياس المر لم تتجاوب معه الحكومة السابقة برئاسة فؤاد السنيورة بدعوي تكلفته العالية؟! كما لم تجتمع لجنة الدفاع بمجلس النواب, التي أحال المر المشروع إليها, لمناقشته, إلا أن الاتهام بالتقصير من وجهة نظر سياسيين لبنانيين, يوجه أيضا إلي جميع الحكومات المتعاقبة منذ عام1990 بعد اتفاق الطائف والذي نص علي التزام الحكومات بالعمل علي إعادة بناء الجيش للاضطلاع بمسئولياته. في كل الأحوال فإن الجيش اللبناني يحظي باحترام وتقدير, وبمكانة لدي جميع اللبنانيين علي اختلاف انتماءاتهم السياسية والطائفية لأنه حافظ علي استقلال لبنان, ولم يتورط يوما في النزاعات الطائفية والحروب الداخلية, إلي جانب رفض قيادته أي مساعدة أجنبية( خاصة من جانب الولاياتالمتحدة) مشروطة بقصر مهامه علي حفظ الأمن الداخلي لمحاولة جعله امتدادا لقوي الأمن( الشرطة), وبتغيير عقيدته العسكرية التي تعتبر إسرائيل هي العدو لأنها لاتزال تحت أراض لبنانية في مزارع شبعا وكفر شوبا, والقسم الشمالي من قرية الغجر. فالثابت الآن هو أن الجيش اللبناني يعتمد علي المتطوعين فقط, وأن80% من أفراده من المسلمين, وأن إسرائيل لاتزال هي العدو في عقيدته العسكرية. موقف الجيش من المقاومة هل الموقف داخل الجيش من المقاومة يختلف اليوم عما كان عليه قبل حدوث تطورات داخلية في الساحة اللبنانية خلال الفترة القريبة الماضية؟ يجيب وزير الدفاع السابق عبدالرحيم مراد: نعم إلي حد ما وليس بشكل كامل, فمثلما يوجد شرخا في الشارع اللبناني, يوجد البعض لا يتعاطف للأسف مع المقاومة, كما أن المراكز الحساسة في الجيش لا يشغلها ضباط متعاطفون مع المقاومة, فالسياسة تلعب دورا. ويضيف: عندكم في الكلية الحربية في مصر يضعون خريطة مصر أمام الطالب ويوضحون له أن العدو والعدوان علي مصر يأتي دائما منذ فجر التاريخ من جهة الشرق في إطار إدراك لأولويات الأمن القومي, وغرس هذه المفاهيم لدي الطلاب, بينما كان الحال عندنا قبل عام1975 هو إبلاغ الطالب بأن العدو يأتي من الشرق( سوريا) وليس من الجنوب( إسرائيل)؟! ويقول: الآن هناك محاولات من البعض للعودة إلي هذه المرحلة بالحديث عن التهريب وتهريب السلاح من الشرق في إطار العداء لسوريا, ولنسيان العدو الحقيقي, ويؤكد مراد أنه علي رأس الجيش حاليا جون قهوجي قائد جيد, لكن سمعنا أخيرا كلاما نشرته الصحف, لم نسمع عكسه, بأن هناك ضباطا لبنانيين يتم إرسالهم إلي الأردن للتدريب علي يد خبراء إسرائيليين, فهذا كلام خطير, فضباط جيش لبنان يجب أن يتم تدريبهم في مصر أو في سوريا.