علي جانبي حارة الصالحية( سوق الأحجار الكريمة) تنتشر حكاية الملكة شجرة الدر التي سحقت أحجارها الكريمة, وألقت بها في حديقة قصرها الملاصقة للسوق حين أحست بمؤامرة لقتلها, يتندر التجار من القصة ولا يحدد أحدهم متي بدأت تجارة الأحجار الكريمة في حارة الصالحية, غير أنهم جميعا يجمعون علي أن الحارة شهدت طفرة قبل ما يقارب العشرة أعوام مع انتشار فكرة صناعة الحلي بين السيدات المصريات وتسويقها عبر مجموعات موقع فيس بوك. يقول محمد هشام أحد بائعي الصالحية: كثير من السيدات لجأن لصناعة الحلي كطريقة لزيادة الدخل في مواجهة الأزمات الاقتصادية المتوالية, وأخريات وجدن في المنتجات الجديدة بديلا معقولا عنن ارتفاع أسعار الفضة والذهب, وقد كانا المعدنين المفضلين لدي النساء دون غيرهما منذ مئات السنين. ومع ازدهار الفكرة الجديدة ارتفع نجم حارة الصالحية التي تتفرع من شارع المعز بنهاية سوق الصاغة بمنطقة مصر الحسين, واصطف البائعون علي جانب الطريق أسفل البوابات العتيقة والتي تضم عددا من مباني القاهرة الفاطمية. اكتسبت المنطقة اسمها من كونها ملاصقة لسور مدرسة الصالحية, التي بناها الملك نجم الدين الأيوبي عام1234 م. يقول فكري أحد حرفيي شطر الأحجار الكريمة أو ما يسمي ب( حكاك الأحجار): كانت محال الأحجار الكريمة لا يتخطي عددها أصابع اليد الواحدة قبل عشر سنوات, مضيفا أن المنطقة كانت تضم عددا أكبر من ورش خراطة الفضة والذهب وتشكيل الأحجار والتي كانت تخدم منطقة الصاغة المجاورة في شارع المعز. الطفرة التي شهدتها المنطقة منذ عشر سنوات ليست حدثا سعيدا بالنسبة للجميع في المنطقة, إذ ارتبطت بانتشار الأحجار الصينية أو ما يطلق عليها الأحجار نصف الكريمة ودوبلير الحجر الكريم, والتي تأتي مخروطة جاهزة في شكل حب أو خرزات بأشكال ومقاسات مختلفة وتنافس في أسعارها الأحجار الأصلية الطبيعية. أغلقت ورشة الخراطة التي كان يعمل بها فكري مع انتشار الأحجار الصينية وتحول هو للتجارة بدلا من تشكيل الأحجار علي الماكينة اليدوية, يقول: معظم الورش أغلقت وبعض الحرفيين تركوا التعامل بمجال الأحجار كله. مع توافر بدائل أكثر رخصا من الأحجار المصرية توسعت النساء في بيع المشغولات اليدوية بأسعار منافسة أيضا, فظهر الفاروز الصيني ويصل سعر العقد كاملا منه إلي15 جنيها, بديلا عن الفاروز المصري والذي يتراوح سعر بين15 إلي30 جنيها للجرام الواحد, بالإضافة لأن الحجر نصف الكريم يأتي ملونا بالليزر بألوان أكثر بهجة وتنوع في حين أن الحجر الكريم يظل بنفس لونه الطبيعي. مع ذلك يصر محمد علي أن الأحجار الطبيعية لم يتأثر سوقها بالأحجار الجديدة, قائلا: لغة الأحجار الكريمة لا تفهمها إلا سيدات الطبقات العليا مضيفا أن بعض زبائنه ممن يأتين للبحث عن قطع نادرة وذات قيمة عالية, يعلمن أن صديقاتهن ستنبهر بها. يختلف الوضع بالنسبة لأيوب أحد الباعة الذين يفترشون جوانب الحارة, إذ يؤكد أن زيادة المعروض وزيادة الطلب قلل هامش الربح, فوفقا لنظرته كانت النساء تشتري قطع الحلي جاهزة, وكان لمصممها مقابل لقاء تصميمه وجهده في قطعة الحلي, أما الآن صارت أكثر النساء تشغلن حليهن بأنفسهن, حتي إن أساور الكريستال الرديء صارت تباع2.50 في المترو وعلي الأرصفة, وصارت النساء يعرفن أسعار عقود الكريستال ولا تدفع أكثر منها للبائع لقاء جهده. ويضيف أيوب أن تكلفة تشكيل الذهب والفضة هي نفسها تكلفة تشكيل النحاس والصاج, لكن المكسب في الذهب والفضة بالجرام, بينما المكسب في النحاس والصاج يكون بالقطعة. ويعد الكريستال الصيني أرخص الأحجار الموجودة في السوق وفقا لأحمد أبو عبده الذي يفترش الرصيف المقابل لأيوب, ويقول: نحن نصدر للصين طن الرمال ب400 جنيه, وهي تصنع لنا عقد الكريستال سيئ الجودة ب5 جنيهات وبسعر ينافس المصانع المصرية, هل يعقل هذا الكلام! ينتظر أبو عبده من الحكومة أن تتخذ قرارات تساعد علي استيراد آلات متطورة لتصنيع الزجاج والكريستال وهي خامات تدخل في تصنيع مئات السلع. كان أبو عبده يصنع الميداليات والسبح والفضة المرصعة بالأحجار الكريمة ويبيعها لبازارات شرم الشيخ والأقصر وأسوان, غير أنه سلعته لم تعد تجد من يشتريها بسبب عزوف السياح عن زيارة مصر. وبالرغم من أن أبو عبده يطلق علي ركنه الصغير اسم فيس بوك, فهو يرفض عرض مشغولاته علي موقع الفيس بوك خوفا من أن تسرق تصميماته, ويقول: أفضل أن تأتي الزبائن لتشتري المشغولات مني وتعرضها علي مواقعها أو تقلدها بعد ذلك, فأكون أنا استفدت بثمن التصميم, بدلا من أن تقلده دون مقابل. رابط دائم :