ميراث ما قبل الثورة زاد بعدها.. هذا هو الحال في محافظة قنا بالنسبة للأمن وخاصة حيازة السلاح والاتجار فيه, حيث أصبح السلاح في يد الجميع, الأطفال قبل الكبار, علي الرغم من ضيق الحال, فالمتوارث هنا أن السلاح هو شرف القبائل والعائلات فربما تدخل منزلا ولا تجد فيه قوت يومه لكن حتما ستجد فيه السلاح والذخيرة. رحلة البحث عن السلاح في صعيد مصر لا تحتاج للكثير من الوقت كما يعتقد البعض, فالمئات إن صح التقدير أصبح علي دراية بسعر السلاح ومصادره الرخيصة للشراء ومن ثم كان سهلا للغاية ان نتواصل مع أحد هؤلاء التجار لتحمل رحلتنا مفاجأة من العيار الثقيل وهي القنابل الحارقة التي أصبحت متوافرة هناك وتكفي واحدة منها بحسب بائعها أن تحرق40 مترا وما عليها اقتربنا من الرجل وتحدثنا إليه ليقول لنا إن20 ضعفا من السلاح دخل الصعيد بعد الثورة والمصادر متعددة.. وبعد قليل من الحديث دخلنا حوشا من الحجر الأبيض ليخرج لالأهرام المسائي أحد تلك القنابل ولم يمانع بعد إلحاح في أن نلتقط صورة مع بضاعته لكنه أخفي وجهه ليظهر معنا ملثما وعن سوق السلاح قال لم يعد هناك سلاح لم يصل إلينا هنا بعدما ازدهر سوق السلاح في العالم كله وطبيعي أن يصل إلينا كل ما هو جديد باعتبار الصعيد اكبر أسواق تجارة السلاح في مصر خاصة في ظل الصراع القبلي والثأر بين العائلات الذي يستوجب ان يكون السلاح في المنزل قبل الطعام أحيانا. وبعدما كنا حتي الثورة في الصعيد نشتهر طيلة العقود الماضية بأسلحتنا التقليدية وهي البنادق الآلية بأنواعها الثقيل ذات الدفة الخشبية والمظلات ذات الدفة الحديدية المفرغة ورجل الغراب التي تظهر بسيخ حديدي واحد ذات قاعدة صغيرة ازدحم السوق الآن, وأصبحت قري السمطا والحجيرات وأخيرا أبوحزام وحمرة دوم نقطه وصول ومرور لأحدث الاسلحة بدءا من بن لادن وهو رشاش روسيا ذو30 طلقة وسعره مابين15 إلي20 ألفا وصولا إلي البوشكة وهي ذات خزانة سعة30 طلقة وسعرها يتراوح مابين20 إلي25 ألف جنيه, ثم الجرنوف أو المقاومة وسعره يتراوح مابين40 إلي60 ألف جنيه ويزداد السوق ازدهارا بعد وصول عائلة( كلاشنكوف) كاملة إلينا في الصعيد بأحدث نماذجها وهو الشبح ذو الطلقات النارية التي تشبه البندقية الروسي القديمة ذات الإحدي عشرة طلقه والمسماة بالبندقية الحداشر, وظهر بكثافة في سوق السلاح بالصعيد الإسرائيلي بأنواعه الخفيف والمقاومة أيضا وهو الرشاش سريع الطلقات الثقيل أما السلاح الإسرائيلي الخفيف فسعره يتراوح مابين25 الي30 ألفا وهو سعه20 طلقة لذلك الإقبال عليه ضعيف وآخر الأنواع الحديثة هو ما يطلق عليه الأف ام, وهو سلاح ذو نادور أو مكبر رؤية. الدكتور سيد عوض استاذ علم الاجتماع بأداب قنا كشف لالأهرام المسائي ان السبب الرئيسي وراء حالة الإنفلات الأمني وأعمال الخطف والسرقة بالإكراه حيث أكد أن من يقوم بها هم مرشدو امن الدولة السابقون. وأشار إلي أن تحليل عينة بسيطة كشفت أن غالبية منفذي تلك الأعمال هم مرشدو الأجهزة الأمنية مؤكدا أن أعوان النظام السابق وراء هذا الانفلات بترك يد هؤلاء المجرمين طليقة بلا حساب. وعن كثرة السلاح في الصعيد قال إنه موروث ثقافي منذ عقود وقبل الثورة بسنوات, فالسلاح في كل منزل في الصعيد وهذا نتاج أبحاث ميدانية علي الأرض, وقال إنه رغم كل شيء فإن الشرطة ليست ذات دور في الصعيد لوجود نظام قبلي يحتكم إليه فلايزال الكبير في الصعيد موجودا, وهو ما يحقق الأمن والسلم. ويضيف قائلا هناك قاعدة لابد أن لانغفلها وهي من اساسيات علم الاجتماع وهي تقول: فكر+سلوك= مادة, وهذا الفكر إذا كان سيئا فسينتج سلوكا أسواء ومن ثم انفلات في المجتمع والعكس صحيح. إذن ما يحتاجه المجتمع الي جانب الأمن هو التنشئة السليمة لتغيير الفكر ومن ثم السلوك. أبرز ممر للسلاح بالصعيد وسط طريق جبلي وعر بين محافظتي قنا والبحر الأحمر تقف تبة وسط طريق الجبل الشرقي, تعرف عند وصولك اليها أنك أمام اهم نقطة لتمرير وتسليم السلاح بالصعيد بل النقطة الأهم لشحنات الأسلحة التي تأتي من جبل الحلال رأسا, بعد أن تقطع طريقها إلي الإسماعيلية وسط مسالك يكون تجار السلاح أدري بشعابها, ثم إلي الإسماعيلية لتكمل إلي المنيا, وهي بحسب احد التجار نقطة الخطر الأولي كما يقول, حيث يستدعي الأمر مراقبة5 كيلو مترات من الطريق الأسفلتي الذي يستوجب المرور به قبل الدخول إلي الجبل مرة ثانية, ويستلزم تمام التمشيط المرور عدة مرات قبل مرور الشاحنات للتأكد من عدم وجود أي تحركات أمنية علي الطريق, وبحسب شرح دليلنا التاجر هناك عند الكيلو25 بطريق قنا الصعيد البحر الأحمر تبدأ عملية التسليم في مغارات مجاورة, ويتم التخزين أو التوزيع حسب الاتفاق. وبعد أن يقطع المهربون مسافات طويلة تصل الرحلة بنا إلي مدق آخر وتبة جبلية أخري عالية وهي مدن القناوية علي بعد6 كيلومترات من قرية القناوية شمال قنا, وهي النقطة الثانية وتتم فيها عمليات التسليم بعد التمشيط والتأكد من عدم وجود أكمنة. استرسل مرشدنا في الرحلة قائلا: علي فكرة في طريق هنا وسط الجبل يوصلك للسلوم بس خطرها عند المنيا بعدما تمشي5 كيلو مترات في الأسفلت لتنتقل من جبل للجبل الثاني وتطلع منها علي سوهاج, وبعدها تمسك الجبل حتي تصل إلي نجع حمادي. القبلية صمام الأمن أهل قنا تحدثوا لالاهرام المسائي عن الحالة الأمنية من وجهة نظرهم, ففي الوقت الذي يري فيه حمدي صابر من مركز دشنا الاهتزاز الأمني في بعض المناطق يؤكد أن القبلية هي صمام الأمان حتي اللحظة في الصعيد وليست الشرطة فكل قبيلة تعرف مالها وما عليها ورموز تلك القبائل تكون صاحبة الكلمة الفصل مما يعظم الشعور بالأمان. فيما يري ضياء عبد الفتاح من قرية عزبة الالفي أن الامن لايزال له هيبته في الصعيد ويظهر ذلك مع تفجر اعمال قبلية او ثأرية ولولا تدخله تراق برك للدم ويعول أيضا علي كبار العائلات والقبائل التي تسند الأمن بشكل كبير هنا في الصعيد. ويختلف مينا صبحي من نجع حمادي مع وجهة نظر سابقيه عندما يؤكد تزايد أعمال الخطف في قنا وشمالها تحديدا ولا يكون هناك سبيل سوي دفع الفدية مع تراخي يد الأمن عن القبض علي الجناة الذين يكررون فعلتهم بصفة يومية ولا نري حملات تسقطهم أو توقف أعمال الخطف. ويتفق معه في الرأي سليم عبيد قائلا: أري أن دور الأمن تراجع وأصبح مهتزا وتجد السرقات بالإكراه تحدث في وضح النهار, وكذلك أعمال الخطف ولا يكون هناك سبيل سوي دفع الفدية أو الرهنية الجبرية عن السيارات المسروقة بالإكراه والغريب أن الأمن يعرف الفاعلين والجناة ولا يقترب منهم ويضبطهم. مدير أمن قنا: جهودنا لم تتوقف وحتي لا يختزل المشهد في جانب واحد جاءت كلمات المسئول الأول عن الأمن في قنا اللواء صلاح مزيد مساعد وزير الداخلية ليؤكد لالأهرام المسائي أن هناك حملات مستمرة ومكثفة لمكافحة تجار السلاح واعمال الخطف وقال انه عمل يومي في أجندتي كمدير أمن وانت تعلم ان بعد الثورة تضاعف حجم السلاح الذي تم إدخاله لمصر من الحدود الشرقية عشرات الاضعاف ولكننا نتتبع المتلقين ونضبطهم, وطبعا في ظل هذا الميراث القبلي في الصعيد تزداد عملية البحث عن السلاح واقول هنا ان التعامل مع تلك القبلية التي تشبه كما ذكرت حقل الغام يحتاج الي وعي امني كبير لمنع أي تصادمات قبلية ولا انكر هنا ايضا الدور الذي تلعبه القيادات الشعبية والزعامات القبلية معنا لكي ننزع أي تصادم. أما أعمال الخطف والسرقة بالإكراه فللأسف والكلام علي لسان مدير الأمن إن تردد اسر الضحايا أو المتعرضين لمثل تلك الوقائع في ابلاغ الشرطة واتخاذهم طريقا منحرفا أمنيا وهو دفع الفدية يكون الأمر قابلا للتكرار. وأضاف مدير الأمن في تعقيبه أن25 مجموعة قتالية تجوب الطرق السريعة علي مدي الساعة, ولكن يبقي المواطن مسئول معنا وشريك لنحقق الأمن للجميع. رابط دائم :