في مغامرة صحفية حفتها المخاطر قطعت الأهرام مسافات طويلة من الكيلومترات في الجبال الوعرة برفقة أحد المرشدين لتخترق حصون دولة السلاح الكبري عبر الطرق والمدقات, وصولا إلي مغارات التخزين. المغامرة كشفت عن العلاقة الممتدة, والمصلحة المشتركة بين تجار جبل الحلال بسيناء, وجبال البحر الأحمر, وكذلك جبال الصعيد بقناوسوهاجوالمنيا وأسيوط. كانت البداية من وسط طريق جبلي وعر بين محافظتي قنا والبحر الأحمر, حيث تقابلنا مع اثنين من الملثمين الذين لم تخل سيارتهما من السلاح, أحدهما يدعي جعيدي والآخر ابو حمزة وبعد تأكدهما من أننا لانحمل أسلحة انطلقنا لنقف علي تبة وسط طريق الجبل الشرقي, عرفنا بعدها أنها نقطة التسليم الأولي لشحنات الأسلحة التي تأتي من جبل الحلال رأسا, بعد أن تقطع طريقها إلي الإسماعيلية وسط مسالك هم أدري بشعابها, ثم إلي الإسماعيلية لنكمل إلي المنيا, نقطة الخطر الأولي كما يقولون, حيث يستدعي الأمر مراقبة5 كيلومترات من الطريق الأسفلتي الذي يستوجب المرور به قبل الدخول إلي الجبل مرة ثانية, ويستلزم تمام التمشيط المرور عدة مرات قبل مرور الشاحنات للتأكد من عدم وجود أي تحركات أمنية علي الطريق, ويشرح لنا جعيدي قائلا: من هنا تبدأ عملية التسليم في مغارات مجاورة, ويتم التخزين أو التوزيع حسب الاتفاق. قاطعته متسائلا: كيف يأتي السلاح من جبل الحلال وسط العمليات العسكرية الدائرة في سيناء؟ أجابني ضاحكا: ياباشا كل واحد عارف طريقه, ودي تجارة عالمية, يعني لازم تتم, وفيه100 ألف طريقة, بس العملية وقفت من جبل الحلال من أسبوع, لكن التجار لن يتوقفوا ولا يمر أسبوع إلا وتأتي السيارات محملة بالأسلحة. وبعد أن يقطع المهربون مسافات طويلة تصل الرحلة بنا إلي مدق آخر و تبة جبلية أخري عالية عرفت بعدها أنها مدق القناوية علي بعد6 كيلومترات من قرية القناوية شمال قنا, ليقولا لي هذه النقطة الثانية وتتم فيها عمليات التسليم بعد التمشيط والتأكد من عدم وجود أكمنة. استرسل مرشدي في الرحلة قائلا: علي فكرة في طريق هنا وسط الجبل يوصلك للسلوم بس خطرها عند المنيا بعدما تمشي5 كيلومترات في الأسفلت لتنتقل من جبل للجبل الثاني وتطلع منها علي سوهاج, وبعدها تمسك الجبل حتي تصل إلي نجع حمادي, وبعدين هناك لغاية السودان. هنا التفت إليه بعدما شاهدت ذئبا علي مسافة بعيدة, فسارعت لأمسك السلاح لكنه أوقفني قائلا: ياباشا سيبه يعيش, أهو إحنا عاملين زي الديب وممكن الشرطة تضربنا بالنار. استجبت لطلبه بعدما أنهينا الجزء الأول من رحلتنا التي استكملناها في الصباح مع اثنين آخرين, وانتقلنا من حدود قنا والبحر الأحمر إلي حدود سوهاج, وودعنا ومرافقوه بعدما أصروا علي توصيلنا إلي الطريق السريع. ومع تحركنا علي حدود سوهاج بدأ الخوف يعتريني, لكن ثقة مرافقي الجديد وعدم خوفه وقلبه الميت جعلتني أنسي الخوف وأطلب منه أن يكشف لنا عن تفاصيل تسليم الشحنات فيقول: سيارات النقل تقطع الرحلة في أسبوع وسط الجبل, تتحرك ليلا, وتتواري نهارا, وغالبا ما تتكون من3 أو4 سيارات محملة بالسلاح, ونحو6 سيارات جيب للتمشيط, ويكون التجار في انتظارها, بعدها يتم النقل إلي إحدي المغارات الجبلية تحت حراسة لا تقل عن20:30 رجلا مسلحا. وعندما سأ لته عن نوعية الأسلحة المهربة قادني ببساطة إلي قلب الجبل لأجد نفسي أمام ترسانة من الرشاشات المقاومة للطائرات, التي يصل سعر الواحد منها إلي70 ألف جنيه, وكذلك البنادق الكلاشينكوف التي تحمل نادور ليلي, إلي الآلي56 التي تعد هي الأغلي في فئة السلاح وسعرها يصل إلي37 ألف جنيه, لكن لابد أن تحمل علامة الصاروخ والحجاب, وهي نقوش علي البندقية الروسية, وأمسكت البندقية البلجيكي والإسرائيلي, ناهيك عن القنابل الخارقة. وبينما أراقب في ذهول قال لي أحد الملثمين الذي أخفي وجهه عني: هناك منصات صواريخ صيرة تعمل بالريموت, وما عليك سوي أن تضعها ثم تضغط أربعة أصفار وبضغطة واحدة علي الريموت تنطلق الصواريخ, وهناك الرشاشات ذات المواسير الأربع, الواحد منها قادر علي إسقاط طائرة حربية, وطلقاته من14.5 و16.5 وهو سلاح قوي يحتاج إلي قواعد أسمنتية لما يحدثه من هزة قوية, أما الآر بي جيه والهاون فهما متوافران هما الآخران, والواحد منهما قادر علي إتلاف جنزير الدبابة, أما السلاح البلجيكي المعدل فهو قادر علي اختراق المصفحة. ووسط حالة الدهشة التي خيمت علي قلت: وما الحاجة لكل ذلك؟ ربت أحدهم علي كتفي قائلا: لو جالك الطوفان مش هتلاقي أفضل من السلاح, ولو جاتلك الحكومة برضه مش هتلاقي أفضل من السلاح. وعن أماكن التسليم قال أحدهم: الجبل واسع, والشرطة لن تستطيع أن تمسك سوي10% من السلاح مهما بلغت كفاءتها, وهذه التجارة وراءها أباطرة داخل مصر وخارجها. وعلي الجانب الآخر من الجبل استكملنا رحلتنا, لكن هذه المرة وسط9 مسلحين بالآلي لم يكفوا طوال الطريق عن الحديث عن أملهم في صفحة جديدة فهم من مطاريد الجبل, لنجد أنفسنا في منطقة جبلية, صعدنا إلي أول دروب الجبل لنجد ملثمين ينتظروننا, ولم أصدق أ حدهم عندما قال لي: حمدا لله علي السلامة تصدق بالله إحنا عارفين تحركاتكم من أول خطوة بقنا لحد ما وصلتوا عندينا, وأعطاني علامة علي صدق كلامه وهي توقفنا لسؤال أحد السائقين عن أول الطريق, ولون السيارة, وكأن سيارتهم ورجالهم كانوا يتعقبوننا. ومع مدخل المغارة لفت انتباهي صناديق كان أحدها مفتوحا فوجدت بداخله قنابل كتب عليها حارقة, وعددا من الأسلحة الرشاشة المختلفة الأنواع والأحجام, ووجدت الملثمين الموجودين داخل المغارة يبادرونني القول: تحب تتصور معاهم, فرددت عليهم: طبعا.. وياريت معاك كمان.. وبعد التصوير حدثوني عن تجار السلاح الذين يقطعون آلاف الكيلومترات من سيناء, وأن الأمن يشن هجمات لكن بعد كل حملة شرسة تدخل الجبل شحنات ضخمة من الأسلحة. تركنا ترسانة الأسلحة ومطاريد الجبل بعد أن وعدناهم بأن نقود مصالحة بينهم وبين أجهزة الأمن لفتح صفحة جديدة مادامت لديهم الرغبة الحقيقية في طي صفحة الماضي, لكن بقي السؤال: كيف ولماذا كل هذا السلاح في أركان دولته التي امتدت من جبل الحلال إلي قلب الصعيد؟ إقرأ أيضا : لصوص "النور" اغتالوا أحلام الجنوب كنوز الوادي الجديد.. تنتظر استثمارها إمارة القتل في سيناء مافيا الرمال السوداء تغتصب650 فدانا برشيد كورنيش سوهاج.. ينتظر الفرج العمايدة.. قرية بلا خدمات مركز أورام الفيوم تسكنه الغربان البداري.. شيكاغو مصر مترو المنصورة تحت الدراسة بتكلفة8 مليارات جنيه أشمون ومنوف والباجور تحت الحصار اسرار مخطط تحويل الضبعة إلى شاليهات خاصة 112 الف مخالفة بناء تهدد حياة مليوني سكندري