الذهب يتجاوز 2600 دولار محققًا مكاسب أسبوعية بدعم رهانات الفائدة    وزير الخارجية يؤكد لمبعوث أمريكى ضرورة إنهاء كافة مظاهر التواجد الأجنبى فى ليبيا    بسيناريو درامي.. حارس بلوزداد يتصدى لركلتي جزاء ويقود فريقه لمجموعات دوري الأبطال    محافظات لها النصيب الأكبر من الأمطار.. «الأرصاد» تُطلق تحذيرات ل 9 مدن في فصل الخريف    تسليم 78 طفلا تائها إلى ذويهم وإنقاذ 32 حالة من الغرق فى رأس البر    ماذا قال المخرج هاني لاشين عن أول أفلامه «خطوات فوق الماء» لعمر الشريف؟    مندوبة أمريكا لدى مجلس الأمن: الولايات المتحدة ليست متورطة في تفجيرات لبنان    نائبة وزيرة التضامن تشهد انطلاق فعاليات ملتقى فنون ذوي القدرات الخاصة    وزير التربية والتعليم يتفقد 9 مدارس بأسيوط لمتابعة جاهزيتها    فيفا يعلن جدول ومواعيد بطولة كأس انتركونتيننتال بمشاركة الأهلي    حياة كريمة تدخل البهجة على أطفال 3 محافظات ب «شنط وأدوات مدرسية»| صور    درة للتطوير العقاري ومجموعة جاز الفندقية يعلنان عن شراكة استراتيجية لفندق فاخر جديد    بعد تصدرها الترند.. أول تعليق من الطرق الصوفية على الطريقة الكركرية    لافروف: روسيا تمتلك أسلحة ستكون لها «عواقب وخيمة» على رعاة أوكرانيا    إيطاليا تخصص 20 مليون يورو لمواجهة تداعيات الفيضانات بمنطقة إميليا رومانيا    مالك نانت ردًا على شائعات بيع النادي: لا أعرف أرنولد.. وكفاكم هراء    النقد العربي: البورصة المصرية الأكثر ارتفاعًا بين أسواق المال العربية خلال أغسطس    ما هو حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم؟.. فيديو    ما العضو المسئول عن خروج الصفراء من الدم؟.. حسام موافي يوضح    فيفا يعلن تفاصيل كأس العالم للأندية 2024 بمشاركة الأهلى والنهائى فى قطر    صبري فواز: الرقابة تتربى داخل كل إنسان ونتماشى مع ما يناسبنا    4 أبراج أقل حظا في شهر أكتوبر.. «الفلوس هتقصر معاهم»    وزير التعليم العالي يكرم رئيس جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر    مسؤول أممي: 16 مليونا في سوريا بحاجة للمساعدة.. ومعاناة الأطفال تتفاقم    الصحية النفسية والذهنية فى خريف العمر    قصائد دينية.. احتفالات «ثقافة الأقصر» بالمولد النبوي    خالد عبد الغفار: 100 يوم صحة قدمت 80 مليون خدمة مجانية خلال 50 يوما    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    الجيزة تحتفل بعيدها القومي    زيدانسك تضرب موعدا مع سرامكوفا في نصف نهائي تايلاند    طرح الإعلان التشويقي لفيلم "دراكو رع" تمهيدا لعرضه تجاريا    عودة جديدة لبرنامج الطروحات الحكومية من خلال شركتي مصر للألومنيوم وكيما وبنك الإسكندرية    "اعتذار عن اجتماع وغضب هؤلاء".. القصة الكاملة لانقسام مجلس الإسماعيلي بسبب طولان    دعاء يوم الجمعة: نافذة الأمل والإيمان    واقف قلقان.. نجل الشيخ التيجاني يساند والده أمام النيابة خلال التحقيق معه (صور)    مصر للطيران تكشف حقيقة وجود حالات اختناق بين الركاب على رحلة القاهرة - نيوجيرسي    الكرملين يؤكد اهتمام أجهزة الأمن الروسية بالانفجارات في لبنان    بعد الموجة الحارة.. موعد انخفاض الحرارة وتحسن الأحوال الجوية    وزير الزراعة يبحث مع المديرة الإقليمية للوكالة الفرنسية للتنمية التعاون في مجال ترشيد المياه والاستثمار الزراعي    الإفتاء تُحذِّر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن المصحوبةً بالموسيقى أو الترويج لها    جمعية الخبراء: نؤيد وزير الاستثمار في إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة    خبير يكشف تفاصيل جديدة في تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية بلبنان    وزير الأوقاف يشهد احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي.. والشريف يهديه درع النقابة    "بداية".. قافلة طبية تفحص 526 مواطنًا بالمجان في الإسكندرية- صور    طريقة عمل بيتزا صحية بمكونات بسيطة واقتصادية    بتكلفة 7.5 مليون جنيه: افتتاح 3 مساجد بناصر وسمسطا وبني سويف بعد إحلالها وتجديدها    مبادرة «ابدأ».. نموذج وطني يعزز الصناعة ويخلق فرص عمل جديدة    ضبط شخصين قاما بغسل 80 مليون جنيه من تجارتهما في النقد الاجنبى    خبير تربوي: مصر طورت عملية هيكلة المناهج لتخفيف المواد    غرق موظف بترعة الإبراهيمية بالمنيا في ظروف غامضة    سوء معاملة والدته السبب.. طالب ينهي حياته شنقًا في بولاق الدكرور    الأنبا رافائيل: الألحان القبطية مرتبطة بجوانب روحية كثيرة للكنيسة الأرثوذكسية    عبد الباسط حمودة ضيف منى الشاذلي في «معكم».. اليوم    استطلاع رأي: ترامب وهاريس متعادلان في الولايات المتأرجحة    معلق مباراة النصر والاتفاق في الدوري السعودي اليوم.. والقنوات الناقلة    قبل بدء الدراسة.. العودة لنظام كراسة الحصة والواجب في نظام التعليم الجديد    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    ليس كأس مصر فقط.. قرار محتمل من الأهلي بالاعتذار عن بطولة أخرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في اليوم العالمي للكتاب.. محفوظ.. صوفية الفن والأدب

لعل الثقافة العربية بأصالتها الحضارية قد دخلت أفقا جديدا أكدت به ذاتها حين كان المشروع الروائي لنجيب محفوظ, ذلك المشروع الذي تحققت به متطلبات الزمن ومقتضيات الوعي الذاتي القومي,
فإن كانت ثقافتنا هي آخر الثقافات التي ارتادت آفاق هذا الفن في تقنياته الحديثة فإنها أيضا أولي الثقافات التي احتفظت به وطورته حتي بلغت به الذروة علي يد محفوظ‏,‏ ابن الحضارتين الفرعونية والإسلامية والذي خلق نوعا من الحوارية المتألقة بين الأرضية التراثية العربية والأوروبية‏.‏
والحقيقة إن المشروع الروائي الذي دأب عليه محفوظ هو في حقيقته منظومة رائعة من القيم السياسية والاجتماعية والروحية كمنظومات الروائيين العالميين أمثال‏:‏ مارك توين‏,‏ جيمس جويس‏,‏ فيرجينيا وولف‏,‏ مارسيل بروست‏,‏ وليام فوكنر وغيرهم‏,‏ غير أن هؤلاء قد أسسوا مشروعهم الروائي علي إسهامات كثيرة ربما مهدت لهم نحو هذا النبوع الأسطوري في عالم الرواية‏,‏ لكن ماذا لو أن الإرهاصات القصصية والروائية قبل محفوظ لم تكن تمثل إلا أرضا يبابا لا تنتج روائيا في قائمة روائيي أوروبا؟ بل ماذا لو لم يكتمل لبانوراما الثقافة العربية أحد جوانبها المضيئة علي تاريخها الطويل وعمقها وريادتها وسط الثقافات العالمية وحروبها الحديثة؟‏!!‏ وليس كل المقبلين علي أدب محفوظ أو الزاهدين فيه يختلفون مهما اختلفوا حول قيمة هذا الأدب أو ضرورته للواقع وضرورة هذا الواقع له أيضا‏!!‏ وكيف يمكن تمثل ذلك في أكثر من تصور ثقافة ما للتاريخ الاجتماعي والروحي للإنسانية بأسرها في أحد الأعمال الروائية المتميزة والفريدة أيضا‏.‏ حقيقة إن الوقوف أمام شخصية نجيب محفوظ والتأمل والاستغراق في حياته ومشواره الروائي كظاهرة ثقافية فريدة يستدعي كثيرا من التساؤلات الحية النابضة بل والمحورية أيضا‏!!‏
ولعل أبرز هذه التساؤلات قفزا إلي الذهن ومرورا علي الخاطر منذ نهاية الثلاثينيات وحتي أوائل التسعينيات هو هل كان الواقع المصري في حاجة إلي كاتب روائي من طراز نجيب محفوظ؟؟
الحقيقة وبكل الصدق لم يكن هذا الواقع في حاجة إلا لنجيب محفوظ‏!!‏
لا لقلة الذين يماثلونه قدرا وقيمة ولكن لكونه يتمتع بنوع من الإحساس العبقري المتفرد بالبيئة الشعبية وطقوسها وطبيعة ما يدور فيها وبمسارات المجتمع المصري بجميع طبقاته وفئاته وشرائحه‏.‏ فكيف امتلك نجيب محفوظ أدوات هذا الواقع ومفاتيحه حتي كانت له تلك الرؤية المبثوثة في أعماله الروائية؟؟ الحقيقة إنه قد أحس هذا الواقع واستشعره بل واستبطنه أيضا ثم امتزج به ووعي أحداثه ومتغيراته وبالتالي صار هو صوته ولسان حاله‏,‏ وليس غريبا أن يكون نجيب من أبرز كتاب الواقعية فما أدبه إلا وجه آخر لهذا الواقع كالصوت وصداه‏..‏ وفوق هذا نجد أن جرأة محفوظ في المعالجة الإبداعية للمشكلات السياسة والاجتماعية والفلسفية كانت تتوازي دائما مع الجرأة في نقد الواقع نفسه‏!!‏ نقول أن نجيب محفوظ وحكايته مع الواقعية قد ضمت أدبه كله تقريبا حسبما يؤكد النقاد‏,‏ ففي البدايات كانت واقعيته التاريخية في كفاح طيبة ثم الواقعية الشعبية في زقاق المدق ثم الواقعية النفسية في السراب ثم الواقعية الاجتماعية في بداية ونهاية ثم الأسطورية في أولاد حارتنا‏.‏
والغريب أن الارتباط بالواقع لم يكن حائلا بين محفوظ وبين أحداث نمط من الابتكارات التقنية في الشكل والأسلوب و الصياغات الجديدة التي تناسب تحولات هذا الواقع و تلائمه‏!!‏
وربما لم يكن القول بإفراط نجيب محفوظ في تحليل بنية هذا الواقع المصري سياسيا و اجتماعيا وثقافيا بشكل أعطي لكتابته طابعا محليا‏,‏ كان وراء دخوله ساحة العالمية ينطوي علي كثير من المغالطة والتضليل‏.‏ لأنه إذا كانت المحلية تعني رصد الواقع السياسي والاجتماعي في تحولاته وتناقضاته وظروفه وكيفية معالجته‏,‏ فعلي مستوي آخر نجد هذه المحلية قد تتحول دائما وتلقائيا إلي عالمية إذا انطلقت من الواقع وأطلقت لسان الأديب حتي عبرت عن رؤاه الفلسفية الخلاقة تجاه الإنسان ومصيره وقضاياه وموقفه في هذا
الكون وبحثه عن المثل الأعلي الأخلاقي بشكل يحقق الطابع الإنساني المتميز والمنشود
أيضا‏.‏
أقول أن الواقع المصري كان بحاجة كبيرة إلي نجيب محفوظ لأنه ما من كاتب أو روائي استطاع أن يقتحم هذا الواقع ويشرحه كما فعل هو‏,‏ فلقد صور أسراره و دقائقه و خلجاته الخفية بشكل يتجاوز حدود الروعة وأفق الإبداع فخلق بين هذا الواقع وبين قارئه المتفحص لأعماله نوعا من الألفة النفسية والفكرية التي ربما انتهت إلي شئ من الفتنة والإعجاب‏.‏
ولعل الذين يقدرون عبقرية محفوظ الأدبية يجدون أنها ليست إلا لونا خاصا من ألوان العالمية الراقية ذلك بما تضمنه مشروعه الروائي من صياغات أدبية جديدة واستلهامات خيالية مبتكرة وألفاظ معبرة لها دلالات رفيعة وأفكار جريئة تتنازع البقاء مع أفكار أخري سابقة عليها وإشراقات فنية لا سابقة لها ومضمونات متفردة تستحوذ علي فنه الروائي كله‏,‏ والحقيقة أن الأديب العالمي ليس بدعا من هذا لأنه ذلك الأديب الذي يحدث بفنه منعرجات وتحولات كبري في التاريخ الأدبي‏.‏
ولسنا بهذه التقدمة العابرة نؤكد دور ومكانة نجيب محفوظ في الأدب العربي الحديث من حيث الريادة والتأسيس في مجال الرواية العربية أو قيمته الكتابية كمثقف كبير مرتبط بالقضايا العامة في بلاده فإن ذلك هو فعل النقاد والمتخصصين في الدراسات الأدبية واللغوية‏,‏ وإنما أردنا التأكيد علي أن محفوظ بعالمه الروائي قد شارك في البانوراما الروائية العالمية‏,‏ وكان محل تقدير بين الثقافات المتحدية في عصر اكتسبت فيه الثقافة معاني متعددة ومفاهيم مستحدثة تعبر عن وجودها حتي أصبحت هي بؤرة الصراع بين الأمم والشعوب التي تقف موقف التحفز والترقب في وقت أصبحت تسود فيه محاولات خلق ما يسمي بالثقافات العالمية ذات البعد الواحد والتي تعني في مجملها إهدار وتخلي الثقافات المختلفة لجوانب تفردها ومناطق إبداعها وعبقريتها‏.‏
وإذا كانت لجنة نوبل قد عبرت ضمن ما عبرت عن إعجابها وافتتانها بأسلوب محفوظ ولغته التي جعلها قطعة تاريخية متحركة يجب درسها وبحث معالمها بما تضمنته من إيحاءات مبتكرة وملكات روحية في إطار العملية الإبداعية بكل ثرائها وحيويتها‏,‏
إلي لم تحصر محفوظ في حدوده الإقليمية وإنما جعلته يخاطب الحقيقة الإنسانية في صميمها وجوهرها المطلق‏.‏ ولقد أعرب ستوري إلين سكرتير الأكاديمية السويدية عن بعض ذلك مخاطبا محفوظ إن الخاصية الشعرية لنثرك قد تعدت كل حواجز اللغات هذه الحقيقة الإنسانية تمثل هدفا ساميا لنجيب محفوظ كأديب عربي لامع لأنها أيضا تعد هدفا عاما لكل أديب وفنان يحاول أن يطرح رسالة الأدب والفن فيما يؤديه وينتجه لإنسان القرن العشرين ومايليه‏.‏
رابط دائم :


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.