يبدو أن مقولة الحركة بركة التي يرددها البعض دون إدراك معناها من الناحية الصحية هي علي جانب كبير من الصحة. حيث تشير الأبحاث إلي أن رياضة المشي لها العديد من الفوائد التي تعود علي جميع أجهزة الجسم فهي تنشط الدورة الدموية, وتزيد كفاءة القلب, وتقلل التوتر والاكتئاب. كما تحسن الذاكرة, ولذلك ينبغي علي كل فرد أن يجعل علي قائمة أولوياته ممارسة قسط من المشي لمدة أكثر من نصف ساعة من3-4 مرات أسبوعيا مع مراعاة الأوضاع الصحيحة للجسم في أثناء المشي وأن يكون هدفا في حد ذاته وليس قضاء لوقت الفراغ. يقول الدكتور عماد الحفناوي استشاري أمراض الباطنة والقلب:إن الانتظام في برامج المشي والتمرينات المصاحبة له يفيد القلب الجهاز التنفسي بدرجة كبيرة, تحدث زيادة في اتساع حجرات القلب فيزيد حجم نبضة القلب مما يقلل معدل دقات القلب ومن ثم تغذي الشرايين التاجية عضلة القلب بطريقة أفضل. كما ترتفع قدرته علي دفع المزيد من الدم في أثناء المجهود البدني وبدقات أقل, ويزداد حجم الرئتين وكفاءتهما, وكذلك يساعد المشي علي تكاثر الشعيرات الدموية المحيطة بالحويصلات الهوائية مما يحسن عملية تبادل الغازات في أثناء الراحة أو التدريب, بالإضافة لنقص عدد مرات التنفس وزيادة عمقه, كما أنه يساعد علي تولد الشرايين التاجية, حيث أن القلب يواجه عبئا أكبر ويضخ دما أكثر حتي يصل الأوكسجين للأنسجة المختلفة, وبالتالي مع ممارسة الرياضة بشكل منتظم تنشأ الشرايين غير الأساسية, وفي حالة حدوث أية جلطة أو قصور يجد الدم ممرات أخري يصل منها إلي عضلة القلب. وهناك اعتقاد خاطئ هو أن مريض القلب لا يجب أن يمارس الرياضة, رغم أهمية ذلك له بالمتابعة مع الطبيب المعالج خطوة بخطوة وليكن رياضة المشي, فلو كان يعاني قصورا في الشريان التاجي فلابد أن يمارس نوعا من الجهد العضلي المنتظم لتنمية الشرايين الجانبية واحتراق الدهون العالية, والتي تؤدي إلي تصلب الشرايين, وارتفاع ضغط الدم. كما أن المشي يسهم في خفض النوع الضار من الكوليسترول ويزيد النوع النافع منه لعضلة القلب, والذي يجب أن تكون نسبته أكثر من35%, ولذلك تصل عند ممارسي الرياضة إلي نحو60%, وكلما زادت هذه النسبة زادت درجة الحماية للقلب. * مريض السكر وأشار الدكتور الحفناوي إلي أن معظم مرضي السكر عندهم مشاكل وقصور في الشريان التاجي, والمشي الرياضي في غاية الضرورة لهم لأنه يحرق السعرات الحرارية وبالتالي احتراق السكر في الدم فتقل جرعات الدواء التي يتناولها المريض, ولو كانت نسبة السكر طفيفة يكفي ممارسة الرياضة مع نظام غذائي منتظم. كما أن أحد المشاكل الأساسية لمريض السكر هو القصور الحاد في الدورة الدموية للأطراف وهي منطقة القدم, فهو يعاني دائما من برودة وتنميل القدم فضلا عن التقرحات والآلام, وهذا يرجع إلي أن الدم الذي يصل إلي القدمين يكون ضعيفا, وبممارسة رياضة المشي بشكل منتظم تزداد قدرة الدورة الدموية علي الوصول إلي الأطراف, كما أن الدراسات أثبتت أن عدم الحركة يسبب السمنة التي تؤدي بدورها إلي أمراض القلب والسكر والسرطان والضغط وخشونة المفاصل, ولكن علي مرضي القلب مراعاة بعض المحاذير عند ممارسة الرياضة وخاصة كبار السن, بحيث لا يصلون إلي درجة الإجهاد عندما يتنافس أفراد المجموعة فيما بينهم مما يجعل الشخص عرضة للإصابة بالذبحة الصدرية أو أزمة قلبية أو التقلصات العضلية, وهذا يثير مخاوفه بعد ذلك من ممارسة الرياضة. * الحركة بركة أما الدكتور حسام إبراهيم أستاذ مساعد جراحة المخ والأعصاب بطب بنها فيري أن المشي هو نوع من استخدام الجهاز العصبي حركي عضلي للإنسان, ويتكون من3 أجهزة رئيسية هي الجهازالعصبي والعضلي والعظمي, أي أن المشي يشارك فيه كل أجزاء الجسم تقريبا, وهو عامل وقائي من الكثير من الأمراض مثل آلام العمود الفقري والعنق أو ما يسمي بعرق النسا وآلام الأطراف العصبية, وذلك من خلال تحريك العضلات والمفاصل المختلفة في الجسم ومن ثم الحفاظ علي كفاءتها عالية, مما يقلل احتمالات الإصابة بالانزلاق الغضروفي. كما أن المشي يحرق السعرات الحرارية فينخفض تركيز المواد الدهنية التي تترسب علي جذور الأوعية الدموية مؤدية لتصلب الشرايين وجلطات المخ ومن أبسط حالاتها قصور الدورة الدموية المخية الناتج عن ضعف التغذية الدموية للمخ, وأيضا يقي المشي من الأمراض التي تصيب الجهاز العصبي مثل التوترات العصبية التي تؤدي إلي عدم السيطرة علي الارتفاع في ضغط الدم أو نسبة السكر في الدم, وهي أعراض مسببة لحدوث نزيف بالمخ أو ما يسمي بالصدمة المخية وتمثل العامل القاتل الثالث في معظم دول العالم. ويضيف الدكتور إبراهيم أن المشي يوصف كعلاج في كثير من الأحيان لبعض الحالات التي تعاني من آلام في الظهر أو الغضاريف والعمود الفقري لأنه يقوي عضلات الظهر لتشارك بدور أكبر في حركة وحمل الأجسام لرفع الضغط عن الغضاريف ومن ثم تخفيف الآلام. كما ينصح به الأطباء كعامل وقائي قبل بعض العمليات الجراحية, حيث أنه يحسن الحالة النفسية للمريض وخاصة الخطيرة منها مثل جراحات المخ, وكذلك يراعي ضرورة المشي قبل فترة سابقة عن موعد العملية لتنشيط عضلة القلب والرئتين للحصول علي أفضل النتائج, ويستخدم كعامل مساعد في مرحلة ما بعد العمليات الجراحية. كما أن له دوره في تقوية عضلات الأعصاب الطرفية الناتجة عن ضعف التغذية الدموية, فضلا عن تدعيمه للقدرة علي التذكر والفهم وترتيب المعلومات و الاستفادة منها بدرجة أفضل. * حياة أفضل ويؤكد الدكتور أسامة راتب أستاذ علم النفس الرياضي بكلية التربية الرياضية للبنين بجامعة حلوان أن الاهتمام تزايد في السنوات الأخيرة برياضة المشي والتمرينات المرتبطة به كنوع من الوقاية والعلاج في مجال الصحة النفسية, حيث جاء في تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن التمرينات الرياضية تؤدي إلي تحسين الأداء الأكاديمي والتصميم والثقة بالنفس والذاكرة والمزاج و القبول الاجتماعي, وتقلل من الغياب عن العمل, والغضب والاكتئاب, وآلام الدورة الشهرية, والعدوانية.كما أن ممارسة الرياضة وخاصة المشي يحسن الحالة الانفعالية للفرد وذلك يتفق مع الكثير من الدراسات الأمريكية, بل إنه يقلل القلق الذي يعد من أكثر الأمراض النفسية شيوعا في هذا العصر. كما أن ممارسة رياضة المشي وسيلة لتحقيق حياة أفضل, حيث أنه يخفض التوتر الذي يربط الأطباء بنحو70% من الأمراض, فارتفاعه الزائد يؤدي إلي ارتفاع ضغط الدم, وبعض أمراض القلب, وسوء الهضم, وزيادة تركيز الكوليسترول وآلام الظهر, فالمشي بمثابة إجازة صغيرة من ضغوط الحياة اليومية تمنح الشخص فرصة للخلو مع النفس أو بمصاحبة الأخرين يستمتع بوقت أفضل للاسترخاء, ويساعد علي الشعور بتقدير الذات الإيجابي, حيث أن تنفيذ برنامج المشي بانتظام واستمرارية بمثابة انتصار علي الكسل, ويسهم في زيادة الثقة بالنفس نظرا للفوائد الصحية والبدنية التي تعود علي الجسم, وكذلك المشي لفترات طويلة وفق برامج مقننة يزيد من كمية الأكسجين الذي يصل إلي المخ مما يؤدي إلي تحسين الذاكرة, وزيادة التركيز, وأيضا يزيد الإحساس بالسعادة حيث يمد المخ بمادة الأندر وفين التي تعمل علي خفض الإحساس بالألم وزيادة السعادة, بل يساعد علي تحرر الشخص من التركيز الداخلي المستمر علي مشاكله وبالتالي تتحسن صحته النفسية, بالإضافة إلي تحسين عادات النوم لدوره المهم في تقليل التوتر البدني والعقلي مما يتيح نوما سهلا وصحيا والتخلص من القلق والتفكير في بعض المشكلات, ويجب أن يبدأ تمرين المشي بالإحماء من5-10 دقائق لضمان سلامة اللياقة القلبية وتجنب مخاطر الإصابة في العضلات والمفاصل مع المشي المريح وزيادة السرعة بالتدريج, وكذلك التدرج الخفيف في السرعة عند نهاية التمرين. * تقاوم السمنة ويضيف الدكتور راتب أن المشي كنشاط بدني من الوسائل المهمة لعلاج السمنة, حيث أوصت الكلية الأمريكية للطب الرياضي بالحرص علي التمارين باستمرار مثل المشي وركوب الدراجات والسباحة, وكذلك تدريبات القوة مثل رفع الأثقال, والأنشطة اليومية, وذلك يرجع للدور الفعال للرياضة في نقص الوزن نظرا لاستخدام الجسم للسعرات الحرارية بدرجة أكثر عند ممارسة الرياضة. كما أن الخلايا الدهنية يتقلص حجمها, وكذلك استخدام الدهون المخزونة بالجسم في بناء العضلات, وأيضا يساعد النشاط البدني علي نقص الشهية لتناول الطعام وذلك عكس الاعتقاد الخاطئ بأن يزيدها, ولكن يجب الإشارة إلي أنه في خلال الأسابيع الأولي لبرنامج المشي ليس بالضرورة نقص الوزن بل تحدث زيادة خفيفة في بعض الأحيان بسبب الزيادة في العضلات, وهذا يمثل ظاهرة صحية ويصاحب بنقص في محيط الجسم أي السيطرة علي السمنة. * المشي الصحيح ويؤكد الدكتور إبراهيم خليفة أستاذ علم النفس الرياضي بجامعة حلوان أن هناك أسسا فنية لأداء المشي بطريقة صحيحة لكي تحقق صحة القوام وتفيد أجهزة الجسم العضلية والمفصلية والوظيفية, ومنها اعتدال القامة والنظر للأمام, وجذب الكتفين للخلف مع الاسترخاء, والاحتفاظ باستقامة الظهر مع ارتفاع الصدر لأعلي, وكذلك جذب البطن والإليتين للداخل, التنفس بشكل إيقاعي والنزول علي الأرض بالكعب ثم مشط القدم, ويجب أداء تمرينات المرونة والإطالة لمفاصل وعضلات الجسم لتجنب حدوث الإصابة, وكذلك الحرص علي أداء الإحماء قبل برنامج المشي والتهدئة عند النهاية.