تنهدت الزوجة المكلومة فريال55 سنة وابتلعت حلقها بمرارة بعد أن بللت طرف حجابها بالدموع وقالت: من يعوضني عن فقدان رفيقي في درب الكفاح.. وكيف لمثل هذه الجريمة أن تحدث في وضح النهار علي بعد خطوات من قسم شرطة الزيتون.. ويري المارة مقاومة رجل في السبعين من عمره لثلاثة مسلحين فتحوا عليه النار وأردوه قتيلا أمام الجميع دون أن يحركوا لذلك ساكنا. شهقت الأم بنحيب مكتوم وحبست دموعها بقوة وكفكفت تنهدات بكائها وواصلت سرد الفاجعة التي ألمت بها واسترجعت بذاكرتها آخر مشهد جمعها بشريك عمرها علي الشافعي الرجل السبعيني وقالت: عاتبني بعد أن فرغ من صلاة الفجر بعد أن طالبته بالمكوث في المنزل وعدم الذهاب إلي العمل في هذا اليوم, ووجه لومه لي علي استحياء وقالي لي: كيف ادخر صحتي التي منحني الله إياها و قد أخذت عهدا علي نفسي بأن تخرج آخر أنفاسي وأنا أعمل, وأضاف في رقة وتودد.. أعرف بأنني أكرمني الله في أبنائي بالستر ورغم ذلك فإنني سأظل أعمل من أجل أحفادي كما عملت لأبائهم. تستكمل الزوجة المكلومة حديثها قائلة: كان رحمه الله لا يكل ولا يمل من العمل فبعد أن خرج للمعاش بعد بلوغه الستين من عمره من إحدي الشركات الحكومية, رفض أن يجلس مثل أغلب أقرانه علي المقاهي, حيث لا يجد نفسه في أحاديث النميمة أو لعب النرد, لإدراكه بما حباه الله بقوة الشباب وهو في هذا العمر, ليجد بعد جهد جهيد مراده للإلتحاق بالعمل سائقا في إحدي الشركات الخاصة. صمتت الزوجة لبرهة وكأنها تستجمع قواها ثم وأصلت الحديث قائلة: صمم زوجي علي النزول في ذلك اليوم رغم توسلاتي وسألني عما كنت أحتاج شيئا يجلبه للمنزل عند عودته كعادته معي دائما.. إلا أنني شكرته ورددت عليه: كل ما أريده هو أن تأتي للمنزل سالما معافي إن شاء الله. وأضافت: كنت أشعر بانقباض في صدري غير مبرر, ورغم أنني ما شعرت به من قبل إلا أن هذه المرة كان شعورا مختلفا وذلك هو ما دفعني لطلبي له المكوث في المنزل.. وبعد مرور ساعات بحلول ظهر ذلك اليوم جائني خبر الفاجعة بأن زوجي تعرض لسطو مسلح علي يد ملثمين وتم نقله إلي مستشفي هليوبوليس بأنه قبل وصوله بدقائق فارق الحياة. تساءلت الزوجة في حسرة وكأنها تخاطب المسئولين: من يعيد لي نور عيني.. والماء والهواء في بيتي.. وروحي التي انتزعت من جسدي برحيله.. وأين الامن والامان الذي توفره الشرطه وأين هيبة الدولة والقانون.. وأين شهامة الرجال.. وأين القصاص من الجناة الذين هربوا ولم يتم القبض عليهم حتي الآن؟! بدأ الإجهاد واضحا علي الأم فالتقط الابن الأوسط أحمد35 سنة صنايعي, أطراف الحديث قائلا: كان أبي علي الشافعي دائما ما يوبخني إذا ما تقاعست في الذهاب إلي عملي و يحتد علي ناصحا بأن الله لا يحب المتواكلين ويكافئ كل أيد تعمل.. حيث كان والدي يقدس العمل ومحبوبا من أغلب أهل منطقة المطرية التي نقطن بها وسيرته العطره كانت موضع حديث الجيران الذين لم يصدقوا ما حل بوالدي. بعبارات من الحزن ونبرات من الأسي تذكر أحمد يوم الفاجعة حين أتاه نبأ مقتل أبيه وقال: كعادتي توجهت إلي عملي باحد المحال التجارية وهاتفني شقيقي الأكبر أشرف وأخبرني بأن والدي تعرض لإطلاق نار في منطقة جسر السويس أثناء نقله لأموال الشركة بصحبة عاملين من زملائه. وأضاف: انتفضت كل جوارحي وتوجهت إلي مسرح الجريمة بتقاطع شارعي جسر السويس ونصوح وسألت اصحاب المحال عن الحادث فأخبروني بأن هناك رجلا كهلا قاوم ببسالة3 ملثمين أشهروا في وجهه الأسلحة الآلية واستولوا علي السيارة وما بداخلها من أموال بعد أن أطلقوا وابلا من الرصاص علي جسده لوقوفه كحجر عثرة أمام مخططهم الشيطاني, وقامت سيارة إسعاف- كانت تمر بالصدفة- بنقله إلي مستشفي هليوبوليس. صمت أحمد لحظات. واستكمل قائلا: هرعت مسرعا إلي المستشفي فاقدا العقل كالمخبول وأنا أتمتم بدعوات كانت كلها توسلات إلي الله بأن يكون كل ما أخبروني به كذبا أو أكون أنا في كابوسا مفزعا تنتهي مأساتي باستيقاظي من النوم.. ومرت لحظات في طريقي كأنها سنوات, وما أن وصلت إلي المستشفي وسألت عن والدي وأنا أتمني أن يجيبني موظف الإستقبال بالنفي, إلا أن بعضا من العاملين بالشركة مع والدي أقبلوا ناحيتي والدموع تنهمر من أعينهم وأخبروني بأن والدي صعدت روحه إلي بارئها قائلين: البقاء لله.. شد حيلك.. لم أكترث لأحاديثهم ودخلت إلي المشرحة فوجدت جلس والدي ممدا, يعض علي شفتيه وكأنه جادل ملك الموت لإعطائه الفرصة للإنتقام من الجناه قبل أن يقبض روحه. تراجعت, وتمتمت ببعض آيات من القرآن وترحمت عليه وأنا جالس علي أرضية إحدي طرقات المستشفي أكاد لا أشعر بحركات أطرافي, وبعد برهه جائني زملاء أبي ومعهم عددا من رجال الشرطة وأخبرني احد رجال المباحث بأن والدي كان مثالا للشهامه والحفاظ علي الأمانة, حيث أنه تصدي بشجاعة لهجوم المسلحين الذين أصطدموا بسيارة الشركة التي يقودها وأنزلوه منها وأطلقوا عليه الأعيرة النارية تحذيرا في الهواء بشكل عشوائي وهو ما جعل العاملين معه بالشركة يلوذان بالفرار بعد اصابتهما إلا أن علي الشافعي لم يرهبه الرصاص وحاول أن يستقل السيارة كي يفر بها, إلا أن أحد الجناة أمسك برقبته فقاومه وهو أعزل وعندما إحتار الثلاثة في أمر والدي فتح المسلحان الآخران النار علي جسده وهو ينازعهم لحماية الأمانة التي يحملها, فسقط مضرجا في دمائه واستولي الجناة علي السيارة ومبلغ700 ألف جنيه كان بداخلها ولاذوا بالفرار أمام المارة الذين آثروا السلامة واكتفوا بمشاهدة الموقف وكأنهم يشاهدون فيلما سينمائيا. قاطعت منال وعبير وأسماء حديث شقيقهم وقلن: افتقدنا طيبة وحنان والدنا علينا وعلي أبنائنا الصغار الذين كانوا ما أن يروه يهرولون عليه وهم يستقبلون شلالا من المشاعر.. مفتقدين اليد الحانية والوجه البشوش والعطايا النقدية التي كان يخص بها كل حفيد بأسمه.. وكيف لهن أن يجدن بهجة بعد ذلك في منزلهن الذي خيم الحزن والكآبة علي جنباته. وقال السعيد عفيفي42 سنة فلاح صهر القتيل منذ أن تزوج علي الشافعي شقيقتي ونزح بها من مسقط رأسه بالمنوفية وهو يشار إليه بالبنان, فلم تشتكي شقيقتي منه قط طوال عشرة بينهما أمتدت لأكثر من30 عاما بدأ فيها حياته من الصفر وكافح حتي بني منزلا بمنطقة المطرية وساند أولاده في زواجهم جميعا وأدي رسالته كأب ولم ينقطع عطاؤه عنهم حتي بعد أن بقي كل منهم مستقلا بحياته, فكان دائما ما يودهم بالزيارات وعلي تواصل دائم معهم في كل مشاكلهم مشاركا لهم حزنهم وفرحهم. رابط دائم :