تعليقًا على هجمات لبنان.. بوريل: لا أحد قادر على إيقاف نتنياهو وأمريكا فشلت    اليوم.. جامعة الأزهر تستقبل طلابها بالعام الدراسي الجديد    نحو 30 غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت خلال ساعتين    آخر تطورات لبنان.. الاحتلال يشن 21 غارة على بيروت وحزب الله يقصف شمال إسرائيل    «أنا وكيله».. تعليق طريف دونجا على عرض تركي آل الشيخ ل شيكابالا (فيديو)    التحويلات المرورية الجديدة بعد غلق الطريق الدائري من المنيب تجاه وصلة المريوطية    طعنة نافذة تُنهي حياة شاب وإصابة شقيقه بسبب خلافات الجيرة بالغربية    مواقف مؤثرة بين إسماعيل فرغلي وزوجته الراحلة.. أبكته على الهواء    بحضور مستشار رئيس الجمهورية.. ختام معسكر عين شمس تبدع باختلاف    وزير الخارجية: تهجير الفلسطينيين خط أحمر ولن نسمح بحدوثه    درجات الحرارة في مدن وعواصم العالم اليوم.. والعظمى بالقاهرة 33    «مرفق الكهرباء» ينشر نصائحًا لترشيد استهلاك الثلاجة والمكواة.. تعرف عليها    مع تغيرات الفصول.. إجراءات تجنب الصغار «نزلات البرد»    ضياء الدين داوود: لا يوجد مصلحة لأحد بخروج قانون الإجراءات الجنائية منقوص    المتحف المصري الكبير نموذج لترشيد الاستهلاك وتحقيق الاستدامة    الحكومة تستثمر في «رأس بناس» وأخواتها.. وطرح 4 ل 5 مناطق بساحل البحر الأحمر    إيران تزامنا مع أنباء اغتيال حسن نصر الله: الاغتيالات لن تحل مشكلة إسرائيل    حكايات| «سرج».. قصة حب مروة والخيل    تعرف على آخر موعد للتقديم في وظائف الهيئة العامة للكتاب    حسام موافي: لا يوجد علاج لتنميل القدمين حتى الآن    عاجل - "الصحة" تشدد على مكافحة العدوى في المدارس لضمان بيئة تعليمية آمنة    وزير الخارجية: الاحتلال يستخدم التجويع والحصار كسلاح ضد الفلسطينيين لتدمير غزة وطرد أهلها    المثلوثي: ركلة الجزاء كانت اللحظة الأصعب.. ونعد جمهور الزمالك بمزيد من الألقاب    جامعة طنطا تواصل انطلاقتها في أنشطة«مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان»    صحة الإسكندرية تشارك في ماراثون الاحتفال باليوم العالمي للصم والبكم    حياة كريمة توزع 3 ألاف كرتونة مواد غذائية للأولى بالرعاية بكفر الشيخ    عمر جابر: تفاجأنا باحتساب ركلة الجزاء.. والسوبر شهد تفاصيل صغيرة عديدة    مصراوي يكشف تفاصيل إصابة محمد هاني    فتوح أحمد: الزمالك استحق اللقب.. والروح القتالية سبب الفوز    ستوري نجوم كرة القدم.. احتفال لاعبي الزمالك بالسوبر.. بيلينجهام وزيدان.. تحية الونش للجماهير    الوكيل: بدء تركيب وعاء الاحتواء الداخلي للمفاعل الثاني بمحطة الضبعة (صور)    الوراق على صفيح ساخن..ودعوات للتظاهر لفك حصارها الأمني    نائب محافظ قنا يتابع تنفيذ أنشطة مبادرة «بداية جديدة» لبناء الإنسان بقرية بخانس.. صور    تجديد حبس عاطل سرق عقارًا تحت الإنشاء ب15 مايو    التصريح بدفن جثمان طفل سقط من أعلى سيارة نقل بحلوان    بدءاً من اليوم.. غلق كلي للطريق الدائري من المنيب اتجاه المريوطية لمدة شهر    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 28 سبتمبر 2024    أمريكا تستنفر قواتها في الشرق الأوسط وتؤمن سفارتها بدول المنطقة    فلسطين.. إصابات جراء استهداف الاحتلال خيام النازحين في مواصي برفح الفلسطينية    أحمد العوضي يكشف حقيقة تعرضه لأزمة صحية    برج القوس.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: لديك استعداد للتخلي عن حبك    «عودة أسياد أفريقيا ولسه».. أشرف زكي يحتفل بفوز الزمالك بالسوبر الإفريقي    "الصحة اللبنانية": ارتفاع عدد ضحايا الهجوم الإسرائيلي على ضاحية بيروت إلى 6 قتلى و91 مصابا    استعد لتغيير ساعتك.. رسميا موعد تطبيق التوقيت الشتوي 2024 في مصر وانتهاء الصيفي    وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية    جوميز ثاني مدرب برتغالي يتوج بكأس السوبر الأفريقي عبر التاريخ    جوميز: استحقينا التتويج بكأس السوبر الإفريقي.. وكنا الطرف الأفضل أمام الأهلي    5 نعوش في جنازة واحدة.. تشييع جثامين ضحايا حادث صحراوي سوهاج - فيديو وصور    "المشاط" تختتم زيارتها لنيويورك بلقاء وزير التنمية الدولية الكندي ورئيس مرفق السيولة والاستدامة    الشروع في قتل شاب بمنشأة القناطر    «زى النهارده».. وفاة الزعيم عبدالناصر 28 سبتمبر 1970    حظك اليوم.. توقعات الأبراج الفلكية اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    تحرك جديد.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    الأزهر للفتوى: معتقد الأب والأم بضرورة تربية الأبناء مثلما تربوا خلل جسيم في التربية    كل ما تحتاج معرفته عن حكم الجمع والقصر في الصلاة للمسافر (فيديو)    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر تبكي شهدائها

دماء ذكية سالت هنا وهناك. ودموع ساخنة إنسابت علي الوجنات. وآهات خرجت من الحناجر عندما فقدت مصر 6 من أبناءها وإصيب 662 آخرين
نزفت الدماء واختلطت في ساحة مصرية لشباب مصريين لا ذنب لهم في صراعات النخب. واكتست بيوت الكثير من المصريين بالسواد. وساد الحزن قري ومدن. ولم تهدأ طلقات الغدر حتي طالت أحد الزملاء الصحفيين بجريدة الفجر تحدي الصعاب ليتابع الأحداث من موقعها وينقل صورة حقيقة للرأي العام. أصيب بطلق ناري في الرأس ليرقد في فراش المرض عاجز عن الحراك. بل عاجز عن الادراك.
- من الأميرية. "محمد" استشهد دفاعا عن الإعلان الدستوري
محمد مات من أجل قضية يدافع عنها ونحتسبه عند الله شهيدا، وأطالب الرئيس محمد مرسي بالتمسك بالإعلان الدستوري وعدم التراجع فيه قيد أنملة بهذه الكلمات أستهل أحمد خلاف طالب كلية الهندسة حديثه عن شقيقه الأكبر محمد الذي أصيب برصاصة أسفل عينه اليسري أودت بحياته في الاشتباكات التي شهدها محيط قصر الاتحادية.
بقلب يعتصره الألم وعينين مغرورقتين بالدموع سرد أحمد (30 سنة) تفاصيل مهمة عن شقيقه الأكبر الذي أصبح عائلهم بعد وفاة والدهم موظف هيئة النقل منذ عشر سنوات، حيث تولي مسئولية أمه وأشقائه الثلاثة فايزة (34 سنة) ومحمود (20 سنة) وأسرته المكونة من زوجته وأولاده الثلاثة مروان (6 سنوات) والتوأم زياد وإياد (3 سنوات)، ثم صمت وأطرق برأسه إلي الأرض ثم قال "منذ نعومة أظافره ومحمد يعتمد علي ذاته، حيث ترعرع في كنف جماعة الإخوان المسلمين بمنطقة الأميرية واعتنق أفكارهم التي شعر أن فيها الخير لمصر وستجعلها في مصاف الدول المتقدمة، حيث بعد أن تخرج محمد في كلية العلوم عمل مندوب مبيعات بأحدي الشركات الخاصة، وعندما تزوج وتحمل مسئولية أسرته دفعه ضيق العائد إلي العمل كمدرس رياضيات حتي يحسن دخله بعد أن رزقه الله بأولاده الثلاثة، وبجانب عمله كان محمد مهموما بالواقع الذي يعيشه ويناقش كل من حوله في كيفية أن تصبح مصر من الدول المتقدمة حتي تيقن أن جماعة الإخوان المسلمين هي الكيان الذي لديه رؤية واضحة ومشروع صريح للنهضة بالوطن.
وأغمض عينيه وانخفض صوته وهو يقول: تعرض محمد لمضايقات أمنية كثيرة بسبب انتمائه للجماعة، حيث تم اعتقاله عام 2008 أثناء خروجه في مظاهرات تندد بالتعديلات الدستورية التي أقرها الرئيس السابق حسني مبارك وشاركت معه في أحداث ثورة 25 يناير المجيدة حيث نزلنا ميدان التحرير معا وكانت والدتنا تنصحنا وتحذرنا من المشاركة خوفا علي حياتنا غير أن محمد كان يؤمن بأن المعيشة الأفضل تحتاج لضريبة يتوجب علي أبناء الوطن دفعها، وأصيب محمد في مظاهرات جمعة الغضب بطلق خرطوش في رأسه ولكن الله سلم في هذه المرة.
صد محمد دموعه التي تحركت في مقلتي عينيه وواصل حديثه متماسكا وقال جذورنا المنتمية إلي صعيد مصر زرعت بداخلنا الشجاعة والنخوة فكان محمد من أكثر الناس حرصا علي أن يكون في الصفوف الأمامية في المظاهرات التي شهدتها البلاد بعد الثورة مثل أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وكان يعتبرها المتنفس الذي يعبر به عن رأيه تجاه السلطة وفي كل مرة كنت ووالدته ننصحه بأن يشارك من بعيد ولكنه كان صاحب موقف بأن الجبان لا يستحق أن يعيش في هذه الحياة وأن الحرية لها ضريبة لابد من دفعها.
وقفزت الدماء في وجهه وحاول أن يتماسك وهو يروي بعد أن أصدر الرئيس محمد مرسي الإعلان الدستوري شعر محمد أن الرئيس يريد أن يمتلك أدوات الدولة حتي يخرج بها من المرحلة الانتقالية التي طالت فأيده وشارك في مظاهرات دعم الشرعية والشريعة أمام جامعة القاهرة، وعندما ازدادت الأحداث سخونة أمام قصر الاتحادية بمصر الجديدة شعر أن الثورة في خطر فقرر محمد النزول لتأييد قرارات الرئيس التي يري أنها تصب في مصلحة الوطن، فأخبرني فقط من بين أفراد الأسرة بأنه سيشارك في مناصرة الرئيس أمام الاتحادية بينما أخبر أمه وزوجته بأنه تم تكليفه بمأمورية من الشركة للذهاب للمنوفية حتي يطمئن قلبهما ولا ينشغلان عليه.
أغلق احمد فمه ثم خرج صوته مرتفعا قائلا منعتني ظروف والدتي الصحية من المشاركة في تأييد الرئيس امام الاتحادية، وكنت حريصا علي الوقوف بجانبها خاصة ان شقيقي الأصغر محمود يؤدي الخدمة العسكرية، وكان لابد من ان يتواجد احد الرجال بجوارها، غير انني حرصت علي متابعة الاحداث من خلال شاشات الفضائيات، وعندما تصاعدت موجة الاحداث هاتفت محمد كي اطمئن عليه غير انني وجدت هاتفه مغلقا فلم ينتابني القلق الاخر اعرف انه من الممكن ان يكون هاتفه قد فقد أو فصلت عنه 8 الاتصالات، فعكفت علي الاتصال بأصدقائي واقاربي المشاركين في مظاهرات التأييد واخبروني ان الأوضاع تزداد سوءا امام قصر الاتحادية وانه يتم اطلاق خرطوش والقاء زجاجات مولوتوف علي المتظاهرين فسألته من عدم انسحابه فأجابني بان الاعداد قليلة جدا وان الانسحاب أو التراجع يعني تعرض بقية المتظاهرين للفتك، فشعرت ان الارض تمتيد بي وان قلبي يدق بعنف وان شرا مستطيرا قد اصاب محمد فاتصلت باحد اصدقائه الذين دائما ما يكون رفيقا لشقيقي في التظاهرات واخبرني بأنه رآه بداية الاحداث لكن حالة الكر والفر التي حدثت فرقتهما حتي هاتفي احد الجيران بمنطقة الأميرية يدعي حسام فجرا واخبرني بالطامة الكبري وقال لي البقاء لله فكتمت الصدمة بداخلي حتي لا تراها أمي التي كانت دائما تلح علي بالاطمئنان علي محمد.
وبعبارات من الحزن ونبرات من الأسي يصف أحمد كيف اخبر امه بالفاجعة فقال اخبرتها بان احد جيراننا استشهد في الاحداث وطلبت منها ان تأتي معي إلي مستشفي هوليوبوليس حتي تواسي والدته التي في حالة انهيار تام، واثناء ركوبنا للتاكسي المتوجه إلي المستشفي حيث يرقد جثمان شقيقي وبعد ان نزلنا من السيارة، لم اعرف كيف حملتني قدماي ووقفت امامها وسمعت لساني يقول لها وانا اقبل يديها احتسبي ابنك عند الله شهيدا، فصرخت وانهارت تماما غير انها اصرت علي رؤيته نظرة الودائع لتشاهد ابشع مشهد في حياتها ابنها الأكبر وطلقة الرصاص التي نفذت من اسفل عينيه اليسر لتخرج من اسفل رأسه.
وصمت احمد برهة من الزمن ثم قال بدأت في تلقي التعازي من الاقارب والاصدقاء الذين طالبوني بتأخير تشييع جنازته إلي اليوم حتي يتسني لهم الحضور خاصة ان عددا كبيرا منهم يقطن بالمحافظات، لذا استخرج جنازته صباح اليوم من جامع الأزهر الشريف بعد ان يتم الصلاة عليه، كما اتصل بي الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين وقدم العزاء ودعا لنا بالصبر والسلوان غير انني طالبته بالا يضيع حق شقيقي الشهيد لانه دفع ثمن حياته من أجل قضية وطنية وهي الدفاع عن شرعية الرئيس محمد مرسي.
- والد شهيد التجمع الخامس: نال ما كان يصبو إليه
بمجرد توارد الأنباء عن سقوط زهور من شباب الوطن شهداء في أحداث المصادمات بين أنصار الرئيس مرسي والمعترضين علي تعديلاته الدستورية الأخيرة هجمت علي الذاكرة فجأة أحداث سقوط إخوانهم ممن سبقوهم في احداث مماثلة، وبعد فترة من الوقت من البحث وكتم الغيظ، كانت أرقام هواتف أسر هؤلاء الشهداء أمامنا ومن بينها هاتف المهندس ممدوح، والد أحدهم الذي جاء صوته دافئا رصينا مرحبا بحضور "الأهرام المسائي" لبيته وكأن صوته يشير إلي أن حادث استشهاده ولده مر عليه عشر سنوات وليس ساعات، قليلة، تحركت أنا وزميلي إلي صاحب الصوت الواثق الهادئ، وإذا نظرت إلي السماء وأغمضت عينيك وحملك السحاب خارج زحام وضوضاء القاهرة، حيث الشوارع المتسعة الراقية والفيلات ذات الثلاثة أدوار المختلفة الأذواق المحاطة بكل أنواع الورود والصبار المختلفة وأمام مجمع المحاكم بمنطقة التجمع الخامس وفي احدي الشوارع الجانبية، وقبل احدي الفيلات احتشد العشرات من الشباب والأهالي والسيارات وكانت اللافتة واضحة خط فوقها اسم "ممدوح الحسيني" وسط مكان لا يظهر فيه إلا صوت رياح شديدة فقط، ترجلنا من السيارة والتأكيد يحل من عيوننا أننا قد أخطأنا العنوان، وسألنا عن "والد الشهيد محمد" وفوجئنا ببعض الرجال الطاعنين في السن يرحبون بنا ويدعونا للدخول وسط صفين من المقاعد داخل حديقة الفيلا، يجلس عليها المعزون من الرجال وتلاقت الأعين من الجالسين إلي الوافدين الجدد كانت علامات الاستفهام تقفز من رءوسنا وسط اختفاء أي علامات للحزن من ملامح وأسارير الأقارب والأهالي والقادمين من المعزين، الخارجة من أفواههم بهدوء تقول مجازا انه مثير عبارة "نال الشرف" و"في الصالحين. يا بخته" و"مين يستحق الشهادة غيره" واقتربنا من الجبل الهادئ الذي يرد "التهاني" وليس "التعازي" علي القادمين للشد علي يديه المعروقتين الخارجتين من أكمام جلبابه الأبيض الناصع الذي تعلوه عباءه أشد بياضا يلفها ازار أصفر مذهب وكأنه زي محارب يستريح بعد عناء، وبعد ضغطه علي أيدينا متقبلا عزاءنا خرج صوته هادئا محددة مخارج حروفه وهو يقول "ابني محمد يعمل مهندس كمبيوتر" تعرض لطلق ناري "رصاص حي" في الرأس والصدر والذراع لأنه كان موجودا في الصفوف الأمامية المؤيدة لمرسي عند الاتحادية. ثم سكت ونظر إلينا وأغمض عينيه قائلا: "كان علي خط المواجهة في شارع الخليفة المأمون، وما حدث هو أننا خرجنا في مسيرة بعد صلاة العصر انطلقت من مسجد المصطفي إلي قصر الاتحادية لتأييد الرئيس مرسي وكنا حوالي 200 فرد تقريبا وكان القاطنون في الخيام من المعتصمين لا يتجاوزون 50 فردا وبمجرد رؤيتنا من بعيد بدأوا في الهروب وبالفعل لاذوا جميعا بالفرار، فوصلنا إلي الخيام وهي فارغة، فقمنا بازالتها، ووجدنا بها زجاجات الخمور وبعض المخدرات و"البرشام" واكياس من الواقي الذكري، وقد ذكر ذلك في الفضائيات وليس تجنيا منا لذا أنا اتهمت في التحقيق كل من أنصار حمدين صباحي والبرادعي وعمرو وموسي والزند وسامح عاشور.
ثم سكت ونظر إلي الأمام وكأنه يخترق الحواجز ليعود إلي مكان الأحداث الدامية وهو يقول: "أزلنا الخيام في نصف ساعة واختفي الشباب الموالون للأحزاب والحركات المعارضة ثم بعد فترة وقرب انصرافنا من المكان وتحديدا آخر شارع الميرغني مع تقاطع الخليفة المأمون وبالمناسبة ما أذكره مثبت في شرائط بث القنوات الفضائية، فوجئنا بقذف الطوب والحجارة والقنابل المولوتوف تنهال علينا من بعض الشباب المتجمهرين الذين كانت أصوات سبابهم تسبق اعتداءاتهم، وظل الوضع ملتهبا فترة من الوقت وبدأت أصوات طلقات خرطوش ونارية تلمع في سماء المكان وعلمنا أن سيارتين أو مدرعتين تابعتين للشرطة حضرتا للمكان وقامت بتفريق المتظاهرين من الطرفين وبالفعل ارتدع الضرب من جهتهم ولكن للاسف الشديد عادت المدرعون إلي آخر الشارع ثانية وقد تكرر هذا المشهد أكثر من مرة. وسكت والد الشهيد يلتقط أنفاسه وبعد احتضانه لبعض المعزين قال وبعد التأكد من تهدئة الشرطة كنت في سيارتي طلبت محمد علي الموبايل وقلت له أنا في انتظارك لنذهب إلي البيت فقال لي أنا قادم، ثم انتظرته فترة وقمت بالاتصال به وأصوات الطلبات النارية تحتدم وظللت أطلبه لمدة نصف ساعة بدون اجابة وأخيرا رد علي أحد اصدقائه وأكد لي انه في مستشفي هليوبوليس وأن سيارة إسعاف حضرت وركب له المسعف أنبوب أوكسجين وعلمت أنه يتنفس في المستشفي وهناك بمجرد وصولي لفظ أنفاسه الأخيرة.
وبشكل متقطع من كثرة دخول المعزيين لشد أزر والد الشهيد استكمل قائلا: استشهاد ابني تأخر كثيرا فكان يتمني الاستشهاد في ميدان التحرير وكان يعد نفسه لذلك بالحرص الشديد علي صلاة الفجر في جماعة وكان عازما علي فداء روحه من غير أن يقول لي بدليل أنه لم يذكر لي أنه سيكون في خط المواجهة الأولي وكان يحرص علي ابعاد البلطجية ومن معه عن شارع الميرغني، وأذكر أنه كان في زيارة لزوج خالته وذكره أن الجنة طريقها مش سهل فرد عليه محمد أية رأيك نقصر الطريق.
ورفع الرجل المسن يده وكأنه يصد هاجسا حضره أو يقترب منه، وقال زوجة الشهيد حاملا في الشهر التاسع في ابنته التي نذر أن يسميها استشهاد وبالرغم من أن الله رزقني بولدي أحمد وعبدالرحمن ومحمد أكبرهم الذي استشهد الا أنني أتذكر الآن أنه كان بارا بوالديه وعلي درجة عالية من التدين يحسده عليها الكثيرون، وأغمض عينيه وظل يروي فترة وهما مغلقتان وهو يقول أمه واعظة تعلما لناس الصبر واستقبلت النبأ بصبر وإيمان كبيرين وروت لي بعد استشهاده أنها رأت رؤيا توحي بما حدث قبل الحادث بأسبوع لأنه حضر اليها من أخذ ذهبها الابيض واللولي والمجوهرات وترك لها الذهب الأصفر.
ولكنها لم تحك وقتها ما رأته قلقا وتخوفا ولكنها الآن الصبر متجسدا في صورة أم مؤمنة.
وأكد والد الشهيد أنه عاتب علي وسائل الاعلام عدم ذكرها الحقيقة بشفافية وأقول لهم اتقوا الله في وطنكم ولا تهدموه بأيديكم لأنه سيقع عليكم ولولا أنكم من الأهرام المسائي ما قابلتكم، وفتح الرجل عينيه وعاد إليه هدؤه الجميل ان جاز التعبير بالرغم من جلوسه في عزاء ولده ووضع يده علي كتفي وخرج صوته أشبه بالهمس وكأنها رسالة لا يود أن تصل إلا للمقصود بها قائلا "أقول لابني الشهيد: الحمد لله الذي أنالك ما كنت تصبو وتسعي إليه".
وهنا تدخل أحد الأطباء من المواسين للأب المكلوم قائلا: كنت في المستشفي الميداني ورأيت بعيني والله علي ما أقول شهيد، شبابا في حالة توهان وعدم احساس والدماء تنزف من جسده ومن الواضع أنه تحت تأثير المخدر وكان معهم أموال مقطوعة نصفين لحين إتمام ما اتفق معهم عليه. والتقينا بشقيقه عبدالرحمن الذي جاء صوته هادئا حزينا وكأن إيمانا ملائكيا يتملكه ويسيطر علي جوارحه وبدأ متجلدا وقال: شقيقي "محمد" مختلف عن كل أبناء العائلة فقد كان ودودا إلي الجميع خلوق لا يترك فرضا في الصلاة خاصة في أيامه الأخيرة والتي كان خلالها أشبه بالملائكة لا يقول ولا تسمع منه إلا همسا وهو متزوج منذ عام تقريبا وزوجته حامل في شهرها التاسع وكان ينتظر مولود تمني من الله أن تضعها زوجته أنثي وأوصي بتسميتها "استشهاد" تبركا بالمنزلة العظيمة للشهداء. وكان غريبا أن يتحدث "محمد" طوال فترته الأخيرة عن فضل الاستشهاد وثوابه عند الله ومنزلة الشهداء حتي وصل به الأمر أن أعطي لوالدته كفنا حينما دخل عليها فجأة وأعطاها إياه وقالت له ما هذا رد قائلا: هذا كفني يا أمي أتمني أن أموت شهيدا.

رابط دائم :


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.