في أيام قليلة مع نهاية شهر فبراير الماضي داهمت مصر أسراب كبيرة من الجراد الصحراوي وهو من الحشرات الاقتصادية شديدة الضرر لكل النباتات المزروعة وينزل علي البلاد من حيث لا يدرون ولا يعلمون. فليس لقدومه نذير معلوم أو ميعاد معروف فتعمل له الترتيبات اللازمة. بل هو يأتي إلي الناس فجأة من بلاد بعيدة يداهم زراعاتهم كالسيل العارم ولا يذرها إلا أعوادا عارية ثم يغادرهم فجأة كما آتي. وهذه الحشرة لا توجد في مصر وإنما تغير عليها وعلي غيرها من بلاد الشرق الأوسط في صورة أسراب كبيرة هائلة العدد إذا حطت رحالها علي رقعة مزروعة آتت عليها ولا تذرها إلا قاعا صفصفا. ويتكاثر الجراد الصحراوي في مناطق معينة تختلف عن المناطق التي يغزوها. وهناك ثلاث مناطق يتكاثر فيها الجراد الصحراوي الذي يغزو مصر وبقية دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهذه المناطق هي المنطقة الأولي وتشمل شرق السودان وتنزانيا والحبشة, والمنطقة الثانية هي غرب السودان جهة النيل الأبيض وبحر الغزال. أما المنطقة الثالثة فتضم ساحل اليمن والمملكة العربية السعودية المطل علي البحر الأحمر. وحشرة الجراد الصحراوي في طورها الكامل تأخذ اللون الأحمر وتحتاج إلي مجهود في الطيران حتي يتم نضج غددها التناسلية وتصبح قادرة علي القيام بعملية التزاوج. فهي حشرة قوية الطيران تهاجر لمسافات بعيدة قد تصل إلي1500 ميل دون توقف وبدون تغذية, ولكنها عندما تحط علي أرض مزروعة فإنها تأتي علي ما بها من زروع. ويطير الجراد الصحراوي في أسراب تصل في طيرانها إلي ارتفاع شاهق قد تصعب رؤيته بالعين المجردة. وقد هاجم الجراد الصحراوي مصر في وقت تكون فيه زراعات القمح مازالت في مرحلة النمو. وتتغذي حشرة الجراد علي الأوراق والأجزاء الخضراء من نبات القمح والتي هي بمثابة مصانع للمواد الغذائية وأهمها النشويات والبروتينات, وبالتالي فإن هجمات الجراد تحرم النبات من تكوين هذه المواد الغذائية الأمر الذي ينعكس سلبيا علي ناتج المحصول عند النضج. ويرجع السبب الأساسي في هذه الهجمات الشرهة من الجراد الصحراوي علي مصر إلي إهمال المقاومة في مناطق التوالد وتكوين الحوريات في السودان الشقيق للحيلولة دون بلوغ هذه الحشرة مرحلة الطور الكامل وتكوين الأسراب. ومن المتوقع أن تتسبب هجمات الجراد علي حقول القمح في مصر في خسائر كبيرة في هذا المحصول الذي يعتبر المصدر للمادة الخام الأساسية في إنتاج رغيف الخبز. لذلك فإنه من المنتظر هذا العام أن يقل محصول القمح بنسبة ملحوظة عن الأعوام السابقة وبالتالي سوف تزداد الحاجة إلي كميات أكبر من القمح المستورد لتعويض هذا الانخفاض في المحصول. وتأتي هذه الكارثة في ظروف عصيبة تمر بها مصر في الوقت الحالي من عدم الاستقرار السياسي وتدهور النمو الاقتصادي وتناقص موارد النقد الأجنبي وتدهور قيمة العملة الوطنية وانخفاض التصنيف الائتماني لمصر. ويضيف هذا الوضع عبئا جديدا علي الجهود التي تبذلها الدولة من أجل الحصول علي قروض خارجية لتدبير الاحتياجات الأساسية من الغذاء والطاقة وهكذا تتوالي النكبات والكوارث في ظل صراع سياسي علي السلطة بين النخبة الحاكمة والمعارضة وانتشار أعمال العنف والعصيان والاعتصامات والاعتداء علي الممتلكات العامة والخاصة. رابط دائم :