في خضم الأحداث المتلاحقة في مصر والأوضاع السيئة لما يدور في الشارع السياسي المصري, تمنيت لو تجسدت أمامي مصر في هيئة تسمح لي بمعرفة رأيها فيما يحدث من كل من يتشدق بحبها قولا لا عملا, ولا أدري كيف سرحت بفكري قليلا حتي وجدتها أمامي, وجدت مصر وطننا الغالي متجسدة في هيئة امرأة جمعت بين الجمال الداخلي والجمال الخارجي البادي عليها. وحينما نظرت إلي عينيها وجدت دموعا متحجرة فيهما لا تريد أن تتركهما لتجري علي خديها وكأنها تأبي ذلك اعتراضا علي ما يحدث وإحساسا عميقا بالمرارة لما يحدث من أبنائها من أطراف الصراع السياسي في مصر. يتصدر المشهد السياسي جماعة من الناس تتعامل مع الأحداث وكأنها حصلت علي غنيمة يجب الاستئثار بها دون رفقاء الثورة ورفقاء الوطن, ودون الحوار مع أحد قبل اتخاذ القرارات وكأنهم أدمنوا طلب الحوار بعد اتخاذ القرارات وليس قبلها. وأهمس في أذن هذه الجماعة ليتكم تتخلصون من تعصبكم لها وليتكم تتعصبون لوطنكم الذي يعيش فينا ونعيش فيه وليتكم تدركون أن الاسلام لم يدع يوما إلي الفرقة والتحزب والتشرذم في الدين, ليتنا ندرك جميعا الدين الحق الصحيح ونعود إليه وليتنا نضع نصب أعيننا قول الله عز وجل: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلي الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون. وقوله تعالي: أن اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه. وقول المعصوم صلي الله عليه وسلم: ستفترق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة, كلهم في النار إلا فرقة واحدة. فقيل له: من هم يا رسول الله؟ يعني الفرقة الناجية, فقال: هو من كان علي مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي. وفي المقابل تقف أطراف لا تفكر سوي في سقوط الحكم حتي لو أدي ذلك لسقوط الدولة والوطن فكل همهم ونظرهم يتجه صوب من يرونه عدوا لهم وفي سبيل إسقاطه لا يرون مصلحة الوطن ولا يدركون ما يمر به الوطن, وهم بذلك يقامرون بالوطن في سبيل القضاء علي عدو لا يرون غيره ولا يدركون أنهم يغامرون في سبيل ذلك بمقدرات وطن وشعب طيب أصيل. ويساهم في عملية التخريب هذا إعلام بعضه مضلل ومضلل وبعضه موتور ومأجور يهلل للخراب والدمار ويدافع عن البلطجية والمأجورين ويهاجم من يدافع عن الوطن ويحميه, وإعلام علي النقيض يدافع بالباطل ويهاجم الشرفاء الذين ينتقدون السلطة الحاكمة بالحق ويعتبرهم مخربين, ويقف بين هؤلاء وهؤلاء إعلام حر شريف يقول الحق ولا يحيد عنه. ليتهم يمارسون السياسة طبقا لقواعد الديموقراطية التي كفر بها البعض بسبب ما نمر به, ليتهم يقتربون من الشعب ويدركون معاناته الحقيقية, حتي يحصلوا علي أصواته لا أن يزايدوا علي هذا الشعب ويدعون انه لا يدرك مصلحته, حتي تجرأوا عليه ووصفوه بالجهل وأنه لا يحسن استخدام التصويت في الانتخابات وهم لا يدركون أن هذا الشعب سوف يلقنهم دروسا لا تنسي لمن يستخف به ويصوت لمن يقدره ويراهن عليه وحينئذ لا يلومون إلا أنفسهم. هذا الشعب هو صاحب أقدم حضارة في الوجود وهو صاحب أقدم دولة في التاريخ أقامها علي قاعدة راسخة قوية هي العدالة( ماعت), علم العالم أقدم لغة وأقدم جيش منظم.... إلخ. ولمن يعي أو يريد أن يعي عظمة هذا الشعب أسوق لكم بعضا من الأقوال القديمة والتي أتمني أن تكتب بمداد من ذهب. مرت مصر بعصر الانتقال أو الاضطراب الأول بعد نهاية الدولة القديمة وهو عصر ضعف وسقوط للدولة المصرية, يقول الحكيم ايبور الذي عاصر هذا العصر مخاطبا الحاكم: كان من الممكن أن يرتاح قلب الملك لو بلغته الحقيقة. ويقول له: لديك البصيرة والعدالة لكنك بعثت الفوضي في البلاد مع أهل الفتن. ويقول الفلاح الفصيح: أقم العدل لرب العدل الذي عدالته موجودة, وتنزه عن عمل الشر فإنما الخير بالخير والحسني لها ما هو أحسن منها, والعدل باق إلي الأبد يهبط مع صاحبه إلي المقبرة. ليتنا لا ننسي يوما نرجع فيه إلي المولي عز وجل ونحاسب علي كل صغيرة وكبيرة اقترفناها في الدنيا. رابط دائم :