قال لي السيد سيلفا كير إنه اقترح علي الرئيس السوداني أن يكون له مكتب في جوبا, ويمارس منه العمل ثلاثة أيام في الأسبوع لكنه لم يفعل ذلك وأضاف كل ما تم الاتفاق عليه مازال حبرا علي ورق. اثناء رحلتي إلي جوبا اكتشفت أن الأمر تخطي مرحلة الخلاف العرقي بين شمال السودان وجنوبه, بات خلافا بين رؤيتين لهوية دولة, دولة مدنية متعددة الثقافات والديانات, علمانية العاصمة, وهوية لدولة دينية. عناصر الانفصال باتت أقوي من عناصر الوحدة ومشعلو حرائق الخلافات بين الشمال والجنوب لتعجيل الانفصال يتحركون بنشاط غير معهود, والشواهد تدل علي ذلك مثل قيام حكومة الجنوب بفتح18 مكتبا للحركة الشعبية في عدد من الدول الإفريقية والأوروبية والعربية, علي رأسها قنصلية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وإنشاء حكومة الجنوب بنكا مركزيا جديدا. الحضور المصري في الجنوب بات حضورا مميزا خلال الفترة الأخيرة, وساهم هذا الحضور من خلال المستشفيات المصرية, والمدارس المنشأة من قبل الحكومة المصرية, وكذلك محطات الطاقة التي أضاءت العديد من مدن الجنوب التي لم تر الكهرباء من قبل, هذا الحضور يأتي دعما لجنوب السودان في إطار تدعيم وحدة السودان, وساهم بشكل ملحوظ في صورة مصر في الجنوب حاليا, بل إن كثيرا من أبناء جنوب السودان تخرجوا من الجامعات المصرية ولهم أصدقاء بالقاهرة وصلة المودة والتزاور قائمة حسبما قال لي السيد سيلفا كير, بل إن معظم خريجي الجامعات المصرية من أبناء الجنوب علي سدة الحكم الآن في وزارات جنوب السودان. اثناء لقائي مع السيد سيلفا كير حدثني عن تجربة الجنوب بعد توقيع اتفاقية السلام التي مرت عليها خمس سنوات ونصف السنة, وقال لي إن الأمر لم يختلف كثيرا عن الماضي, ولم يتولد أي انطباع لدي الجنوبيين بأن الشمال أو العالم العربي حسب اعتقاده يريدون السودان دولة واحدة, وأضاف أن الحكومة المركزية فشلت في جذب الجنوبيين تجاه الوحدة, والوقت قد حان في رأيه لتحقيق الوحدة فقط إذا ما تمكنت الحكومة المركزية من اقناع الجنوبيين بهذا الأمر, الرئيس البشير وعده بالوحدة لكن ما هي الأولويات التي قدمها لجعل الوحدة خيارا ممكنا, الأمر يحتاج في رأيه إلي إجراءات عملية علي أرض الواقع, قال لي السيد سيلفا كير إنه اقترح علي الرئيس السوداني أن يكون له مكتب في جوبا, ويمارس منه العمل ثلاثة أيام في الأسبوع لكنه لم يفعل ذلك, وأضاف كل ما تم الاتفاق عليه مازال حبرا علي ورق. السيد سيلفا كير الذي التقيته بمكتبه في منزله, كرر عدة مرات اثناء لقائي به بأن اختيار الجنوبيين للوحدة يحتاج إلي معجزة في زمن لم يعد زمن معجزات, الوقت المتبقي للاستفتاء قصير للغاية: ثمانية أشهر, ويظل السؤال هل تنجح الاطراف السودانية خاصة حكومة السودان في جعل خيار الوحدة جاذبا للجنوبيين؟ هذه هي المعجزة التي يمكن أن تحدث. لو صدقت النوايا, وكانت هناك إرادة سياسية حقيقية.