إذا كانت ثورة25 يناير قد صهرت المصريين في بوتقة واحدة ضد نظام مبارك وشكلت حالة نادرة من التوحد طوال الفترة من25 يناير وحتي تنحي مبارك في11 فبراير2011 فإن ما حدث عقب فوز الرئيس محمد مرسي هو العكس تماما حيث تسببت ألاعيب الانتخابات والصراع علي كعكة السلطة في انفراط العقد وتحول حلفاء الأمس إلي أعداء اليوم وعجز الطرفان عن الالتقاء في منطقة وسطي تكفل الحفاظ علي الحد الأدني من المصالح العليا للوطن, وبات المشهد الآن يعكس حالة نادرة من الاستقطاب بين التيار الإسلامي الذي تتزعمه جماعة الإخوان المسلمين من جانب والتيار العلماني والليبرالي الذي تمثله جبهة الإنقاذ وإزاء ذلك أصبحت مصر أشبه بعربة يقودها عدة أحصنة كل في اتجاه مختلف وليس بمقدور أحد أن يحدد وجهتها بمفرده. والمؤسف أن هذا المشهد مرشح للاستمرار طالما بقي الوضع علي ما هو عليه أو لم يحدث تطور كبير كأن تقرر جبهتا الحكم والمعارضة بشكل مفاجيء أو تتدخل قوي خارجية لإنجاز تسوية ما بين الطرفين المتخاصمين. وأغلب الظن أن ما آلت إليه أوضاع الثورة المصرية هو نتيجة طبيعية لغياب الرؤية لدي الشباب الذي فجر الثورة وعدم وضع خطة لليوم التالي لسقوط نظام مبارك مما جعل الثورة تدخل في منعطفات ودروب شتي أفقدتها كثيرا من زخمها ووصلت إلي ما وصلت إليه من حالة البؤس واللا يقين الحالية علي نحو جعل الذين سبق أن نظموا مليونيات تطالب بسقوط حكم العسكر ينقلبون علي مبادئهم وينظمون مليونيات تحث الجيش علي الانقلاب علي الشرعية التي عبرت عنها صناديق الاقتراع وهو سيناريو مستبعد وفي حال حدوثه سيعني الإجهاز علي ما تبقي من الثورة لسبب بسيط هو أن النظام الذي أسقطته الثورة كان يستمد شرعيته بشكل أو بآخر من شرعية ثورة الضباط الأحرار في يوليو1952 لقد سقطت الثورة منذ البداية في فخ الاستقطاب اللعين عندما رفع فريق شعار الانتخابات أولا ورفع آخرون شعار الدستور أولا وعندما ربح الفريق الأول معركة التعديلات الدستورية في19 مارس2011 وجدنا من يصف ما حدث بغزوة الصناديق مما كرس لانقسام البلد في مرحلة تحتاج إلي رص الصفوف وتوحيد الكلمة ورويدا رويدا تسلل الاستقطاب حتي بلغ مرحلة حرجة في انتخابات الإعادة الرئاسية بين الرئيس محمد مرسي والفريق أحمد شفيق ووجدنا رموزا معروفة بعدائها للتيارات الإسلامية تقود الحملة لمناصرة مرشح الإخوان نكاية في مرشح الفلول وعرفنا ظاهرة التصويت الانتقامي بمعني التصويت لمرسي نكاية في شفيق وبالعكس كما شهدنا تقاربا بين الإسلاميين والعلمانيين جسدته اتفاقية فيرمونت لكن ما كادت معركة الرئاسة تضع أوزارها حتي دبت الخلافات مجددا لتقسم رفقاء الميدان لدرجة تحول المعركة بينهما إلي معادلة صفرية ينتفي وجود أحدهما في وجود الآخر. وبلغ الاستقطاب ذروته في معركة الدستور اللاتوافقي وكانت النتيجة تمريره بفارق ضئيل من الأصوات مما عمق الانقسام وهو المشهد الذي تكرر بحذافيره في معركة مجلس النواب المرتقبة مع فارق بسيط أن المعارضة شاركت في الاستفتاء علي الدستور لكنها أعلنت المقاطعة للنواب, وتقتضي الأمانة والنزاهة القول إن الأزمة الراهنة التي تعصف بالبلاد والثورة التي تغني العالم بسلميتها ليست مسئولية طرف دون آخر فكلا الطرفين شريك فيما جري ويجري للثورة, جبهة الحكم بالنزوع نحو الاستئثار والتكويش علي مفاصل الدولة وتجاهل الآخرين حتي لو كانوا ينتمون إلي ذات المعسكر وجبهة المعارضة بالاعتماد علي الحرب الإعلامية والنضال عبر الفضائيات وعجزها عن تقديم بديل مقنع لسياسات خصومها أضف إلي ذلك التسرع في إعلان مقاطعة الانتخابات عن إقناع الناس ببرامجها ومرشحيها. ولا ندري إلي متي تستمر حالة الخصام بين الفريقين وهل تباعدت المواقف بينهما للحد الذي تتطلب وساطة خارجية مثلما حدث أمس من لقاء أقطاب الإنقاذ مع جون كيري وزير الخارجية الأمريكية ولا ندري ماذا يمكن أن يقوله لطرفي الأزمة وماذا لو عمد إلي تعميق الهوة بين الإخوة الأعداء واللعب علي الونجين. إن حصاد الخلافات المستعصية بين النخبة أفضي إلي جملة من النتائج الكارثية في مقدمتها: الفشل في استرداد الأموال التي هربها مبارك وأركان حكمه وابتعاد أهداف الثورة عن أي وقت مضي فلا يلوح في الأفق شعاع ضوء بشأن( عيش, حرية, عدالة اجتماعية) تآكل الاحتياطي الأجنبي من النقد بصورة تهدد قدرة الدولة علي تدبير احتياجات الشعب من الغذاء والدواء وانتشار التضخم وتعملق طابور العاطلين فضلا علي تعثر قرض صندوق النقد الدولي الذي يعتبره الكثيرون بمثابة قبلة الحياة للاقتصاد المصري. يضاف إلي ذلك استمرار الانفلات الأمني علي نطاق واسع وظاهرة العصيان والتمرد علي مؤسسات الدولة وإعلان بعض المحافظات عصيانها علي القاهرة والاستهانة بأحكام القضاء وممارسة الضغوط علي القضاة علي نحو ما حدث في مذبحة بورسعيد ومقابلة الحكم بالعصيان ونشر الفوضي علي غرار25 يناير الماضي ويخشي من تكراره السبت المقبل مع النطق بالحكم علي باقي المتهمين. وسط كل هذه التحديات يخرج علينا من يستدعي الجيش إلي المسرح السياسي في تحريض صريح علي الشرعية وإرادة الناخبين ويتناسي الداعون والمهللون لهذا السيناريو أن تجربة المجلس العسكري السابق لم تكن مرضية للكثيرين وهناك من خرج ليهتف بسقوط حكم العسكر رغم كل التقدير لهم في الحفاظ علي الثورة ووحدة التراب الوطني ونقول لهؤلاء إن عودة الجيش ليست الحل ونخشي أن تكون بداية لانحراف الثورة عن وجهتها السلمية وتحولها نحو النموذجين الليبي والسوري. رابط دائم :