في العمل العلمي السليم يجب الفقه السليم بالنصوص الشرعية من جهة معرفة محكمها وطرق الورود من جهة القطعية: القرآن الكريم والسنة النبوية المتواترة, والظنية: السنة المشهورة والآحاد, وطرق الدلالة من هذه النصوص من جهة القطعية كأصول الأحكام, والظنية كفروعها, مع حتمية عدم اجتزاء سياق, ولا تنزيل نص في غير واقعة ذات علاقة بالنص, وعدم التعويل علي قول ضعف سنده, أو رأي مرجوح, أو شاذ, مع خبرة ودربة بفقه الموازنات بين مصالح برتبها ومفاسد بدرجاتها, وغير ذلك مما هو مفصل في أصول وقواعد ومقاصد الأحكام الشرعية التي يختص بها أهل التخصص في الفقه الإسلامي وعلومه. في غياب الرؤي العلمية بأدواتها السليمة وربما تعامي أو تغابي توظف بعض أراء مدحا أو قدحا, تبريرا أو تدليسا وتزويرا, مما يعود سلبا علي ذاتية وآثار وسمعة دين. وفي واقعة إهدار دماء من لايستحقون استحلال دمائهم وما ماثلها من أراء في أزمنه وأمكنة, فإن ملاحظات عديدة ينبغي للفاقه الوقوف عندها: أولا: فروق جوهوية بين جريمة الحرابة التي هي: قطع الطريق لإخافة أو أخذ مال بالإكراه دون قتل, أو مع القتل وجريمة البغي خروج طائفة علي الحاكم العادل بتأويل لهم شوكة ومنعة وبين جريمة الصيال وتعرض معتد لقتل بريء أو سلب أمواله أو انتهاك عرضه, فلكل تكييف فقهي بشروطه الشرعية, وما يترتب عليها من عقوبات دنيوية بواسطة الأحكام القضائية يآليتها ووسائلها ثم بإذن الحاكم ومن يفوضه من مؤسسات الدولة المعتمدة ذات العلاقة فيما هو مفصل في التشريع الجنائي الإسلامي. ثانيا: إيراد بعض نصوص لا نتزاع رأي والتغول علي الهيئات المنوط بها في أعمالها العلمية والدعوية والافتاء جزء منها أمر يبعث علي الغرابة والنكارة, والريبة في البواعث والأهداف, ففي واقعة الاجتراء والافتراء علي نصوص شرعية لاستحلال دماء رموز سياسية في زمن يقر العرف السليم الموافق للمباديء العامة للشريعة الإسلامية في التعددية السياسية, وأيضا للمعبرين المجاهدين بالرأي المجردين عن كل سلاح مما يجعلهم لايصنفون لا محاربين ولا بغاة ولا صيال, بل معبرون عن رأي له تأويل معتبر وسائغ, وقد يكون أو يصاحب التظاهر تعسف في طلب الحق إلا أن هذا لا يعد مسوغا للقول بقتلهم في دولة مؤسسات في عالم معاصر إلا إذا كنا في زمن مسرور السياف والسيف والنطع في مواجهة بيت شعر فيه هجاء للحاكم بأمره.وهناك تمام النص المجتزئ: أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في سفر, فنزلنا منزلا, فمنا من يصلح خباءه ومنا من ينتضل يسابق بالرمي والنشاب والنبلومنا من هو في جشره( الدواب التي ترعي وتبيت مكانها)إذ نادي منادي رسول الله صلي الله عليه وسلم: الصلاة جامعة, فاجتمعنا الي رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته علي خير مايعلمه لهم, وينذرهم شر مايعلمه لهم وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها, وسيصيب أخرها بلاء وأمور تنكرونها, وتجيء فتن يرفق بعضها بعضا, وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي, ثم تنكشف, وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه, فمن أحب أن يزحزح عن النار, ويدخل الجنة, فلتأته منيته, وهو يؤمن بالله واليوم الأخر, وليأت الي الناس الذي يحب أن يؤتي اليه, ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده, وثمرة قلبه, فليطعه إن استطاع, فإن جاء آخر ينازعه, فاضربوا عنق الآخر. يجب فقه النص في مورده السليم من كون الحاكم مبايعا بيعة شرعية عامة من أهل الحل والعقد وغيرهم, وأن يكون الناس خواصهم وعوامهم مجمعين عليه, ويكون الخارج عليه بقوة السلاح المعروف عنه الاهلاك والإتلاف, وأن يكون هذا الحاكم مستوفيا للشروط الشرعية مستجمعا للأهلية السياسية من العدالة والكفاءة, وإلا يكون سأل الحكم وسعي اليه ففي الخبر الصحيح لاتسأل الإمارة, فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها, وإن أعطيتها عن مسألةوكلت إليها.. متفق عليه وأن يرفق برعيته وينصح لهم ولايغشهم ولايهمل أو يغفل مصالحهم وحوائجهم, وقد بوب الإمام النووي رحمه الله تعالي في مصنفه الماتع, وأورد شواهد منها مامن عبد يسترعيه الله رعية, يموت يوم يموت وهو غاشن لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة اللهم من ولي من أمرأمتي شيئا فشق عليهم فشق عليه.. إن شر الدعاء الحطمة فإياك أن تكون منهم الحطمة: من يجور في حكمه ويصلي الناس الإتلاف والإهلاك, من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة إلي غير ذلك من نصوص قاطعة قاضية بقيود العدالة سبعة يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله: منهم الإمام العادل..,إن المقسطين عند الله علي منابر من نور, الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وماولوا خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم.. أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان موفق.... فهل تم استيفاء هذه الأوصاف, وتحققت تلك القيود, حتي يعلن من له الافتاء إنزال القتل بعد إدانة قضائية عادلة؟ ويأمر ولي الأمر العادل تنفيذه؟ صدق سيدنا عثمان رضي الله عنه أخوف مايخاف منه: رجل عليم بالقرآن, سليط اللسان وما أثر عن الحكماء الفطن من يقنع الناس بالدين عبر سياسته, وليس من يقنع الناس بسياسته عبر الدين *مجتمع ليس علي قلب رجل واحد, ولم يتذوق شعبه جرعة من عدالة, فكيف تستباح دماء شرفائه؟!!