ما بين الحنين والبحث عن إجابة لسؤال الذات يأخذنا الكاتب عادل عصمت في روايته أيام النوافذ الزرقاء الصادرة حديثا عن دار شرقيات للنشر إلي رحلة عبر الزمان ومراجعة لما مر بنا طوال أكثر من أربعين عاما من الاحداث. يعتبر عصمت روايته التي صدرت عن دار شرقيات ونالت اعجاب النقاد محاولة لفهم الذات والمجتمع. والمعروف ان عصمت أحد أبرز كتاب الثمانينيات وهو يعيش في طنطا ويعمل بالتدريس وقد صدرت له من قبل روايات الرجل العاري, وحياة مستقرة, هاجس موت وكلها صادرة عن دارشرقيات. هنا نص حوار معه يلقي الضوء علي روايته الجديدة. * هل اختيار اسم النوافذ الزرقاء كان هدفه تحديد الفترة التاريخية التي تدور علي خلفيتها الأحداث؟ ** ربما كان زجاج النوافذ الذي كان يطلي باللون الأزرق في تلك السنوات علامة علي تلك الفترة, لكن لديها عندي علامات أخري. فالطلاء في الرواية كان يزعج الجدة( مركز الحكاية) جدا, ويجعلها تشعر بأنها تعيش في جو غير طبيعي وكان يحمل طول الوقت حس الموت الذي رحل إليه ابنها الشهيد, ما يعني انه لم يكن شاهدا علي تلك الفترة فحسب, ولكن ربما يشير بشكل خفي إلي عدم الوضوح, وإذا افترضنا حب هؤلاء الناس للضوء الطبيعي ورغبتهم أن يعيشوا حياة عادية فتلك الفترة لم تكن فترة عادية بمقاييسهم. فالضوء الأزرق ربما كان يشعر الناس بشكل خفي بأنهم يعيشون في كابوس وربما في حلم, وأن الحياة الطبيعية لم يأت أوانها بعد. هل الرواية تبرر وجود البطل في هذا الخواء؟ ** هي رحلة للبحث عن السبب الذي جعل الراوي يصل إلي تلك المنطقة البيضاء الخالية رغم انه حقق تقريبا الطموحات التي يسعي إليها الكثير من أبناء جيله, سار في نفس الطريق الذي سار فيه من حوله, ولكن هل وصل إلي شيء كان هذا هو السؤال * لكن ألا تري انه لم يصل في النهاية إلي سبب حقيقي؟ ** فعلا, لم يصل إلي سبب حقيقي, ربما لم يكن يبحث في المنطقة الصحيحة, ربما كان عليه أن يسأل, لماذا لم تكن حياتي مثمرة * هل عشتها كما أردت, أم بتأثير الأفكار العامة؟ ** ربما لم يسأل السؤال الصحيح. قد يكون أفضل ما حدث له هو اكتشاف معني الاستعادة, المراجعة باعتبارها بداية لاكتشاف مسئولية الانسان عن حياته. * طغي الحوار الذاتي والدلالات علي النص لماذا؟ ** الحديث الشخصي هنا فرضه السؤال الروائي الذي استخدم هذا النوع من الحديث. فكيف يمكن أن يتعرف المرء علي تضاريس العالم الذي نشأ فيه بدون ذلك الحديث الشخصي, وفي الحقيقة لا أعرف إن كان في الرواية ما يطلق عليه الدلالات, وإن حدث فإنني لم اتعمد ذلك, انني أكتب فقط. * ماذا تمثل الجدة؟ ** هي المركز والجذر, هي التي كانت تمسك بالدفة لكي تقود القارب إلي بر الأمان. ان جازت الاستعارة. ** أشار بعض النقاد إلي أن شخصية الجدة تشبه شخصية بينيلوب في الأوديسا؟ ** بينيلوب كانت تنتظر عودة زوجها, والجدة ماذا كانت تنتظر؟ ربما تنتظر أن توفي بمسئولياتها تجاه حياة البيت, وعندما أنجزت واجبها رأت يوم موتها, ربما هي الثقة في الأمل الغامض أثناء اليأس, هو المشترك بين الشخصيتين, طبعا أفكر معك في الأمر وقد يختلف معنا الكثير. * يشعر المتلقي انك أغفلت تطور بعض الشخصيات لحساب اخري؟ ** لا أعرف إن كانت هناك شخصية في رواية مهمة عن غيرها, والمساحة التي تأخذها ما يطلق عليه النقاد الشخصيات الثانوية هي مساحة مجازية, ليس الأمر بعدد الكلمات. يمكن لشخصية ثانوية لم تأخذ مساحة في الرواية أن تكون أكثر أهمية من شخصية الراوي, الرواية عمل متكامل, وتخضع الشخصيات جميعا في وجودها أو تطورها إلي الغرض المضمر والغامض لقانون السرد. * كيف استطعت أن تجد منطقة وسطابين صوت الراوي وهو طفل وعندما تقدم في السن؟ ** لا يمكن استعادة الطفل الذي كناه, كل ما يمكن فعله إن كنا جادين في التقاط صوت الطفل أن ننصت إلي نبرة صوته, وإن تاهت منا, علينا أن نتدخل لكي نتحدث عما عاشه الطفل وخبره لكنه لم يستطع تفسيره في أوانه. انها عملية تشبه التعليق علي ما عشناه من قبل. استعادة. لا يمكن استعادة حدث طبق الأصل, كل ما يمكن فعله أن نبذل جهدا في محاولة فهم ما حدث لنا. ويمكن أن تعتبري الرواية بالكامل هي محاولة في الفهم. * لماذا لم تلجأ لتعدد الأصوات السردية؟ ** لأن سؤال الراوي لم يكن يحتاج إلي هذا التعدد, لم يكن يبحث عن أصوات أخري, بل كان يحاول أن ينصت إلي الأصوات التي ترسبت في وعيه. في وعيه هو, ولم يكن همه أن يدرس وعي الآخرين. * حملت الرواية الكثير من الحكايات الصغيرة ألم تخش تشتت القارئ؟ ** كما قلت لم يكن الغرض يتعدي محاولة من الراوي أن يجيب عن سؤال حياته, وهو أمر كان يجعله يبحث في مناطق متنوعة, في البيت والشارع وفي من عرفه من الناس والأجواء, لم يكن الغرض رسم صورة بانورامية لتلك الفترة. لذلك سوف تلاحظين أن بعض الحكايات والشخصيات رغم الحيز الذي أخذته في الرواية كانت هوامش للحكاية الأصلية. علي سبيل المثال حكاية سامي الذي عاد من حرب1967 مريضا, كانت حكايته هامشا لحكاية مرض عين الراوي, وحكاية صفية كانت هامشا لذلك الحب الذي لم يقابله في حياته. * جعلت من الأشياء أبطالا مثل علبة الخياطة وغيرها هل لأنها تعطي دلالة أقوي من الأشخاص؟ ** قد يكون ذلك هو الجانب المشرق في شخصية الراوي. عن طريق فعل الاستعادة, لا يصحو البشر فقط من غيابهم لكن الأشياء أيضا تصبح لها نفس حيوية الناس. * ظلت بعض العلاقات غامضة طوال الأحداث أكان هذا نوعا من الصور الجمالية؟ ** كما قلت لك, كل ما أفعله هو أن أكتب. لا أفكر أبدا أن هذا قد يضفي جمالية علي الرواية أو غيره, ومن ناحية أخري, قد يكون ما أظنه قد يضفي صورا جمالية علي الرواية, بالنسبة للآخرين, قد يزيد الروايةكآبة أو مللا. الأحلام والخيال لهم وجود واضح بالعمل هل تري ان الكاتب يلجأ لهذه التيمة للهروب من الواقع؟ أظن أن رواية أيام النوافذ الزرقاء هي بحث في الواقع, بحث في السبل التي أوصلت الراوي إلي ما أسمته د. شرين أبو النجا الخواء. والخيال والأحلام وغيرها من التجارب هي جزء من الواقع, وليس من الخيال في شيء ان تعرف الجدة ميعاد موتها, فالعقائد الشعبية المصرية تري أن الميت يعرف ميعاد موته قبلها بفترة. وجود الجدة أثناء حرب الاستنزاف ووفاتها في73 ألا تري انه يحمل دلالة سياسية؟ مرة أخري لا أعرف إن كان الأمر له دلالة سياسية, لكن فترة حرب الاستنزاف فترة من حياتنا جميعا, الكثير منا يحمل ذكريات واضحة أو غامضة عنها, لنا أقارب وجيران استشهدوا في تلك الفترة, وبعضنا ماتت جدته في يناير من عام1973.