لا يوجد مصري واحد كان لا يتمني أن تعود للشرطة هيبتها وتسترجع ثقتها في القيام بدورها بعد انهيارها في جمعة الغضب التي كشفت عورتها وسوء إدارتها وحاجتها إلي الهيكلة والتطهير. ولم أكن أتخيل أن تفيق الشرطة من مواتها وتخرج من مذلتها وتغادر أكفان غفوتها بنفس العضلات التي كسرت ظهرها, وبذات الأسلحة التي جعلت الثورة تنطلق في وجهها, وبأشد أدوات القهر والبطش والسحل والتزوير والتلفيق التي لا يرفضها الثوار والمتظاهرون فقط.. وإنما جعلت الرئيس يدعو قيادات الداخلية أمس إلي احترام حقوق الإنسان, وحركت الدكتور عصام العريان علي رفض ما حدث لعمرو سعد ومحمد الجندي والقول إن الشرطة اعتادت علي حماية الحاكم علي حساب الشعب!! وبينما لا يزال الانفلات الأمني كما هو, والبلطجة تنعق في كل طريق وشارع وحارة, والسرقة تنتشر, والمخالفات تتوغل, واحتلال الشوارع يكتسب مساحات جديدة, والبلاغات لا تجد من يرد عليها والباعة الجائلون يرفعون راية التحدي, وبلاغات وأحكام البناء علي الاراضي الزراعية لا تجد من يتحرك لها, والهجوم المسلح يطل بوجهه القبيح والمخدرات تتحرك بحرية في جميع مساراتها.. هربت الشرطة من ميدان مواجهة الخطر مع الشعب, وتفرغت لحماية الحاكم, واحتلت صدارة اللعبة السياسية; دفاعا عن النظام, وسخرت كل قواها في خدمته, وتمرمغت بترابه وأصبحت في واد غير الذي يريده الشعب. ولو أن الشرطة وجهت عصاها الغليظة ودخانها الخانق ورصاصاتها الحية وخرطوشها المتناثر في وجه الجريمة والمجرمين لتخلصنا من غالبية مشكلاتنا, ولكن جعلت كل ذلك في وجه وظهر وبطن ورأس كل من يقترب من النظام تقوي بديكتاتوريته, وتضعف بالثورة عليه, وما بينهما لم تحاول السمو بنفسها من أجل خدمة الشعب والسهر علي أمنه, وظن قادتها أن قوتهم لن تعود إلا بالبطش والسحل وأختطاف رافضي النظام واحتجازهم في أماكن غير معلومة, بل وحبس بعض الأشخاص في سجون دون العرض علي النائب العام. المثير للدهشة أن ما تقوم به الشرطة وأجهزتها يأتيكم برعاية دستور كانوا يقولون لنا إنه سيضمن الاستقرار والحريات والحقوق والحياة الكريمة, وحكومة لا تضع المواطن علي أجندة أعمالها بالقدر الذي تمنحه للرسوم والضرائب وتحريك الأسعار, وبرلمان مؤقت حاولوا إقناعنا بأنه سيكون البلسم التشريعي الذي يخفف آلامنا ويعلي آمالنا, وإعلام أوهمونا بأنه لن ينحاز إلا للحقيقة ولن يعترف بتأليه الحاكم ونسف معارضيه وتضليل رافضيه. وأقول للشرفاء من رجال الشرطة: إن قوتكم في أحضان البطش والسحل والاختطاف ضعف, وتوظيفها في طمس الحقيقة وإجبار الناس علي التزوير انتحار; فقد كان المصريون يتطلعون إلي شرطة في خدمة الشعب والقامون لا إلي شرطة في خدمة الحاكم تتحرك إلي قصوره وتطوف حول ظله وتترك باقي الشعب يتلوي من الانفلات والبلطجة ومن وجع العصا الغليظة وتلفيق القضايا! رابط دائم :