لم تقم ثورات الربيع العربي إلا لإسقاط حكامها الطغاة الذين كانوا يسنون القوانين للإبقاء علي أنظمتهم, فسقط مبارك وبن علي والقذافي وصالح, إلا أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لم يتعظ فآثار استفزاز شريحة عريضة من الشعب العراقي عندما قال إن مشروع القانون الذي يحدد مدة الولاية في الحكم لن يمر وتحت عنوان المالكي يقود العراق إلي التقسيم قالت صحيفة الاندبندنت البريطانية إن سياسات المالكي بهذا الشكل ستجر العراق الي التقسيم في ظل تحديه المستمر لقوي الشارع التي تحتشد لإسقاطه بعد أن كانت تطالب ببعض الإصلاحات. وجاء تصريح المالكي ليحمل تحديا سافرا للشعب ولرجال القضاء وللنواب اللذين صوتوا علي القانون أيضا, ويظهر أطماعه في السلطة ما يجر العراق إلي الفوضي خاصة بعد توريط المالكي لقوات الجيش في الصراع الدائر هناك, بعدما أمر جنوده بقتل المتظاهرين الأبرياء الذين خرجوا للمطابة بحقوقهم المشروعة وبالإصلاحات. وأكدت الصحيفة أن العراق يعيش أسوأ عصوره, بسبب الصراعات الطائفية والعرقية التي وصلت به إلي طريق مسدود, ويشهد المجتمع تفككا حقيقيا وتجاهل النظام لمطالب المتظاهرين الأمر الذي يزيد من الانقسامات الطائفية التي تنذر بحرب أهلية بين السنة والشيعة والأكراد. وتري الصحيفة أن غرب العراق أو ما يسمي بالمثلث السني لديه من الأسباب ما يكفي للقيام بانتفاضة ضد النظام الفاسد الذي قام بتهميشهم بعدما عاشوا لسنوات طويلة يسيطرون علي مقاليد الحكم في عهد الرئيس الراحل صدام حسين. ويمثل السنة في العراق32% من عدد السكان(29 مليون نسمة) حيث شعروا بعد خروج القوات الأمريكية بمزيد من العزلة والتهميش وهو ما دفعهن للخروج في مظاهرات طالبت بإطلاق سراح المعتقلين وإلغاء بعض بنود قانون مكافحة الإرهاب في محاولة منهم لإنهاء سيطرة الشيعة علي الأوضاع في البلاد. وقد عاش السنة في عهد صدام أبهي عصورهم وعاشوا كنسيج واحد في المجتمع بعكس الشيعة الذين كانوا يشكون الاضطهاد. وطبقا للصحيفة فإن ارتفاع سقف المظاهرات الشعبية في العراق وإجراءات المالكي الاستفزازية تمهد الطريق للتقسيم والفوضي من خلال المواجهات الدامية التي يشهدها العراق عاجلا أو آجلا والتي سيكون لها عواقب دولية وإقليمية أيضا, مشيرة إلي أن حل هذا اللغز لايزال في يد المالكي خير شعبه بين الفوضي والديكتاتورية مثلما فعل الرئيس السابق مبارك الذي استهان بمطالب شعبه محذرهم من سيناريو الفوضي لكنه لم يلق النتائج المرجوة.وبعد أكثر من شهر من صراخ المتظاهرين الذي لم يلق أي صدي لدي المالكي وحكومته زادت حالة الاحتقان في الشارع الذي رفع سقف مطالبه بإسقاط المالكي بعد أن أمر بقتل المتظاهرين في المقابل ورغم تواصل الضغوط علي الرئيس السوري بشار الأسد ومطالبته بالرحيل إلا أنه يبحث عن كل السبل التي تضمن بقاءه في سدة الحكم ليكمل مشوار والده الدموي, وبدلا من أن يتعلم من دروس نظرائه التي أطاحت بهم رياح الربيع العربي فإنه لايزال يري أنها ليست ثورة بل فوضي دبرها الغرب, متجاهلا صرخات شعبه التي تستغيث من أعمال القتل والذبح التي يمارسها جيشه. وتري صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن الأسد يلاعب إيران بسلاح التوازن الإقليمي ليضمن ولاءها ودعمها له وليضمن أيضا بقاءه في الحكم, خاصة وأن إيران تبحث عن مصالحها الإقليمية في المنطقة, وتمكنت من خلال قدراتها العسكرية والاقتصاية وتراثها الحضاري القديم أن تصبح قوة إقليمية لها دور مؤثر وكبير في الشرق الأوسط خاصة بعد الإطاحة بالشاة محمد رضا بهلوي الذي حكمها لأكثر من25 عاما عاشت فيها ايران حقبة مظلمة وفاسدة. وبزغ نجم ايران في المنطقة خلال ال10 سنوات الأخيرة واصبحت دولة اقليمية لها نفوذ قوي بعد تراجع النفوذ العراقي, ولم تكد ايران ان تجني ثمار ما قامت به, حتي وجدت نفسها امام طوفان الربيع العربي الذي اجتاح الدول العربية وأربك حساباتها في المنطقة بشكل كبير والذي بدأ بتونس ومصر وليبيا ومر علي البحرين والكويت والأردن وانتهي بسوريا التي غرقت في دماء شهدائها والتي تعد مربط الفرس بالنسبة لإيران التي اخذتها حليفا لها لتحافظ علي مصالحها وتوازنها الاقليمي في المنطقة. وقد بات التوازن الاقليمي لايران علي المحك نظرا للتغييرات التي طرأت علي المنطقة سواء في سوريا التي ثار فيها الشعب ضد نظامه الفاسد او العراق التي تعاني هشاشة الوضع الامني والسياسي والبحرين التي توترت علاقتها بها خاصة بعدما حمل المتظاهرون لافتا تحمل صورة للمرشد الاعلي علي خامنئي وهو ما اثار استفزاز سلطات البحرين, وكل هذا يحد من النفوذ الايراني في المنطقة ويهدم كل ما قامت ايران ببنائه علي مدار عقود طويلة وتهدد طوحاتها الاقليمية التي باتت محاصرة ما بين انهيار نظام وتفكك آخر. وطبقا لنيويورك تايمز فإنه رغم الفرحة التي انتابت ايران بعد قيام الثورة في تونس ومصر وسقوط حليفين مقربين للولايات المتحدة الا انها وجدت ان رياح الربيع العربي امتدت الي بقاع لم تكن ايران تود المساس بها في اشارة الي سوريا, لان ذلك سيفرض عليها عزلة قد تؤثر بدورها علي طموحاتها النووية وعلي التحالف القوي بينها وبين سوريا وحزب الله الذي سيأخذ طريقه الي الزوال وهو ما يحلم به الغرب. ولن يتوقف الأمر عند تأثر خارجيا فقط بل ستعاني من أزمات داخلية خطيرة كاضطرابات واحتجاجات نظرا للوضع الاقتصادي المتردي الذي تعانيه طهران بل ومن المستبعد أن نري رياح الربيع العربي تهب علي ايران. ورأت الصحيفة أن سقوط الأسد سيقضي علي أحلام إيران في ولادة شرق اوسط اسلاميبل وسيعزز من فرص تركيا التي ستجد نفسها متربعة علي الساحة لتنشر نموذجها الديمقراطي والذي ستفاضل بينه وبين الايراني, وهو ما سيقضي علي كال الطموحات الايرانية نظرا لاختلاف الفكرين وتعارض توجهاتهما. وأضافت ان وصول الثورات الي حلفائها في المنطقة يثير مخاوفها لان ذلك سيقضي علي مطامعها في التمدد الاقليمي وسيؤدي لانهيار طموحاتها الاقليمية والنووية معا. ورغم حالة التفكك التي تشهدها المنطقة الا ان الدولة الفارسية يمكن ان تستغل حالة الفراغ والتخبط التي تعانيه تلك الانظمة المنهارة التي اختل توازنها وتستثمره لصالحها خاصة وانها ماضية في مشروعها النووي الذي سيمكنها من امتلاك قنبلة نووية في اقل من عام وهو ما يفرض موازين جديدة داخل المنطقة.