روي الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة, وأول من ينشق عنه القبر, وأول شافع, وأول مشفع, وروي الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر, وبيدي لواء الحمد ولا فخر, وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي, وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر. وهذا حديث حسن. يقول الشيخ زكريا محمد زاهد, باحث دكتوراه في علوم الحديث, والمحاضر بمعاهد إعداد الدعاة التابعة للجمعية الشرعية: روي مسلم هذا الحديث الصحيح في باب: تفضيل نبينا صلي الله عليه وسلم علي جميع الخلائق ولا شك أن الرسول الكريم هو خير الخلق جميعا, وهو سيد بني آدم, في الدنيا والآخرة, وقد ورد هكذا في رواية أبي داود أنا سيد ولد آدم بدون تخصيص ذلك بيوم القيامة, وإنما قيدتها روايات بيوم القيامة, لأن سؤدده فيه أظهر, لا يعانده معاند, ولا ينازعه فيه منازع, وقد أوضح صلي الله عليه وسلم سبب ذلك في حديث الشفاعة العظمي حيث قال في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون لم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد, فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون إلي ما أنتم فيه, ألا ترون إلي ما قد بلغكم, ألا تنظرون من يشفع لكم إلي ربكم... وهو حديث طويل فيه: أنهم يأتون إلي آدم أبي البشر, وإلي أولي العزم من الرسل نوح وإبراهيم وموسي وعيسي, فكل منهم يعتذر عن عدم التقدم لهذه الشفاعة حتي تنتهي إليه صلي الله عليه وسلم, فيتقدم لها فيشفعه الله في أهل الموقف جميعا. والسيادة الحقيقية التي هي الغاية في الكمال, لا تليق إلا بالله وحده, ولا مانع من إطلاق لفظ السيد علي المخلوق كما يدل عليه حديث أبي هريرة وغيره من الأحاديث الكثيرة, لكن مع الحذر من الاسترسال في وصف المخلوق بما يفضي إلي الغلو ومجاوزة الحد, والوقوع في المحذور الذي لا يرضاه الله عز وجل ولا يرضاه رسوله صلي الله عليه وسلم, والسيد هو الذي يفوق قومه في الخير, وهو الذي يفزع إليه الناس في النوائب, فيقوم بأمرهم ويتحمل عنهم مكارههم, وهكذا كان رسول الله فهو القائل: أنا أولي بكل مؤمن من نفسه, فأيما رجل مات وترك دينا فإلي, ومن ترك مالا فلورثته. فالسيادة هنا سيادة تتبعها كلفة ومشقة, وإذا كان رسول الله- صلي الله عليه وسلم- في هذا الموقف العصيب, موقف القيامة سيد ولد آدم فهو من باب أولي سيدهم في الدنيا, إن رسول الله لم يقل هذا الكلام متباهيا أو متكبرا أو محقرا لغيره من الأنبياء, وإنما ذكر ذلك تحدثا بنعمة ربه عليه, فليس هو الذي أعطي لنفسه هذه المكانة, بل إن الله هو الذي كرمه بهذا, ومع ذلك لا يجوز لنا أن نبالغ في تفضيلنا لرسول الله- صلي الله عليه وسلم- تفضيلا نوهم به انتقاصا لغيره من الأنبياء, فقد أمرنا الله ألا نفرق بين رسل الله فقال: لا نفرق بين أحد من رسله( البقرة285). وإنما نذكرهم بفضائلهم التي فضلهم الله بها, فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء, فرسول الله قال: لا تخيروني علي موسي. فالأنبياء جميعا جاءوا برسالة واحدة هي رسالة الإسلام, قال الله تعالي: ووصي بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفي لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون( البقرة132):, وقال: فلما أحس عيسي منهم الكفر قال من أنصاري إلي الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون(آل عمران:52). وقوله: أنا أول من ينشق عنه القبر يعني: أنه أول من يعجل إحياؤه مبالغة في إكرامه, وتخصيصا له بتعجيل جزيل إنعامه, وقوله: وأول شافع, وأول مشفع فإنه صلي الله عليه وسلم لا يتقدمه شافع, لا من الملائكة ولا من النبيين ولا من المؤمنين, علي أن الشفاعة العامة لأهل الموقف خاصة لا تكون لغيره. وهذه المنزلة أعظم المراتب وأشرف المناقب, وهذه الخصائص والفضائل التي حدث بها النبي صلي الله عليه وسلم عن نفسه, إنما كان ذلك منه لأنها من جملة ما أمر بتبليغه, لما يترتب عليها من وجوب اعتقاد ذلك, وأنه حق في نفسه, وليرغب في الدخول في دينه, وليتمسك به من دخل فيه, وليعلم قدر نعمة الله عليه في أن جعله من أمة من هذا حاله, ولتعظم محبته في قلوب متبعيه, فتكثر أعمالهم, وتطيب أحوالهم, فيحشرون في زمرته, وينالون الحظ الأكبر من كرامته. وعلي الجملة فيحصل بذلك شرف الدنيا, وشرف الآخرة, لأن شرف المتبوع متعد لشرف التابع علي كل حال. قال السندي في شرح سنن ابن ماجة: ولما كان نبينا سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين, وأحمد الخلائق في الدنيا والآخرة, أعطي لواء الحمد ليأوي إلي لوائه الأولون والآخرون. وإليه الإشارة بقوله- صلي الله عليه وسلم- آدم ومن دونه تحت لوائي, ولهذا المعني افتتح كتابه العزيز المنزل إليه بالحمد, واشتق اسمه من الحمد, فقال محمد وأحمد, وأقيم يوم القيامة المقام المحمود ويفتح عليه في ذلك المقام من المحامد ما لم يفتح علي أحد قبله ولا يفتح علي أحد بعده, وأمد أمته ببركته من الفضل الذي أتاه فنعت أمته في الكتب المنزلة قبله بهذا النعت, فقال أمته الحامدون يحمدون الله في السراء والضراء ولله الحمد أولي وأخري. فمقام النبي صلي الله عليه وسلم مقام الحمد والمقام المحمود( الشفاعة), كما في دعائنا له بعد الآذان: وابعثه المقام المحمود الذي وعدته, وهذا المقام خاص به فلا يصله أحد من الخلق سواه, وهو ما يدل علي رفعته وعلو مكانته, وكبير قدره, وعظيم شرفه صلوات ربي وسلامه عليه. علي حافظ