برنامج غواص في بحر النغم الذي ظل يقدم علي شبكة البرنامج العام هنا القاهرة لسنوات عدة اعتبره واحدا من برامج الإذاعة التي تتسم بالتميز والتفرد, واعتقد أنه سيظل لصيقا بذاكرة المستمع ووجدانه مثله مثل برامج عديدة قدمتها الإذاعة وتفتق عنها ذهن مذيعها ومقدمي برامجها فعاشت في ذاكرة المتلقي ومازالت تعيش ويتمني أن تعود برامج مثل جرب حظك ساعة لقلبلك فنجان شاي العشرين في سؤال الهواة صواريخ.. وغيرها من برامج العصر الذهبي للميكروفون, والغواص ايضا برنامج يبقي شاهدا علي علو كعب مقدمه وعبقريته وموسوعيته, فلقد شنف عمار علي محمد الشريعي اذان المستمعين من خلال هذا البرنامج بجمال الموسيقي العربية وحلو نغماتها وأزعم أن المتلقي كان ينتظر هذا البرنامج ويستمر إلي جوار الراديو يستمع إلي صاحبه وهو يشرح ويحلل المقامات الموسيقية ويقربها للأذهان بما في ذلك من جرعات من الثقافة الموسيقية لم تكن متاحة من قبل إذ لم تكن أغلبية السامعين يعرفون الكثير أو القليل عن السيكا والبياتي والصبا والنهاوند والزنجران وغيرها من المقامات والنغمات الموسيقية فجاء عمار بموسوعيته وغزارة علمه وإحاطته بلغة الموسيقي وأسلوبه السهل الممتنع ليقدم شرحا مبسطا ولطيفا مفسرا به هذه المقامات, ولماذا جاء هذا المقام ليسبق مع الكلمة في الأغنية التي يحلل لحنها. كل ذلك دون تعقيد ودون كلمات مقعرة بدأ عمار برنامج غواص في بحر النغم في مستهل الدورة الإذاعية الثانية وبالتحديد يوم1989/4/11 وتتراوح مدة الحلقة ما بين45 دقيقة إلي55 دقيقة اسبوعيا وظل الغواص يقدم حلقاته حتي الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر2008 بعدد حلقات يصل إلي204 حلقات وإن كان من بينها ما قد تكررت إعادة بثه أكثر من مرة, وكان عمار يتقاضي اجرا من الإذاعة حسب عقد مبرم بين الطرفين لا أعرف تفاصيله لكني أعرف أن الروتين السخيف والشح الإذاعي وضيق ذات اليد وعدم الشعور بأن مثل هذا البرنامج لا يصح بل ويجب ألا يختفي من خريطة الإذاعة, اضافة إلي تفاهات لا داعي لذكرها جعلت عمار يشعر أنه لا يجد التقدير الذي يستحقه وبالتالي رحل بعيدا عن الإذاعة ليقدم البرنامج عبر إحدي الشاشات تحت مسمي سهرة شريعي حيث أظهرت الشاشة روعة الرجل واحاسيسه المعبرة وهو يشرح تفاصيل اللحن الذي يقدمه وحوله الفرقة الموسيقية بما في الصور التليفزيوية من إبهار واعتقد أن البرنامج ميكروفوني أكثر منه تليفزيوني لأننا من خلال الميكرفون كنا نستمع إلي مؤدي اللحن الحقيقي, أما علي الشاشة فكان يستعين بالاصوات الصاعدة وليست الصورة كالأصل, وعلي أي حال فأنا لست بالناقد الفني الذي يستطيع أن يوفي الرجل حقه أو يتحدث عن قامته الفنية لكني استطيع القول أن عمار يعتبر مقدم برامج ناجحا ومتميزا ويتصف بكل صفات مقدم البرامج المتمكن من حرفته وصنعته, فهو صاحب حضور امام الميكروفون برغم إعاقته وأسلوبه في الشرح والتقديم راق يدل علي تمكنه من مآربه ومفردات لغته وهو يضفي علي سرده دعابة وقفشات حلوة وكلمات تدل علي رهافة حسه الأمر الذي يوجد اللغة بينه وبين المتلقي, وهو ما ضاعف من توهج غواص في بحر النغم وجعله برنامجا يتعلق به سامع ويترقب موعد إذاعته, لقد عشق عمار الإذاعة, وكم ارجو أن يظل هذا العشق متواصلا وممتدا حتي بعد رحيله, وذلك بأن نسمع إعادة البرنامج لنستمتع وتستمع معنا الاجيال الحاضرة بفن راق قدمه هذا الصعيدي الجميل عمار الشريعي الذي ملأ الاجواء نغما عذبا وكلاما حلوا. رحم الله الشريعي