لم أكن متحمسة وأنا ذاهبة للاستفتاء, برغم أنني حددت موقفي من مشروع الدستور بعد أن قرأت مواده جيدا, بل وقارنتها بدساتير مصر السابقة. صحيح أن هناك مواد تحتاج إلي مراجعة وتعديل. لكنه تضمن مواد طالما طالبنا بها, وزاد اقتناعي بالدستور مع الشائعات التي ترددت في أثناء إعداده, وبعد التصويت عليه, والأخطر ظهور نسخ مزورة له. عدم الحماس سببه حالة الانقسام الشديدة في المجتمع التي وصلت إلي الصدام وسقوط قتلي ومصابين. عدم الحماس سببه تأثري بوفاة الزميل الحسيني أبوضيف. توقعت أن أري طوابير حزينة, لكن كانت المفاجأة أن الطوابير التي امتدت لمسافات بعيدة كان يملؤها الأمل في غد أفضل.. من ذهب ليقول نعم, ومن ذهب ليقول لا.. حركه إحساسه بالخطر الذي يحيط بمصر, حرصه علي الاستقرار. في طوابير النساء رأيت المسنة التي تستند علي عصا ويساعدها ضابط الجيش علي دخول اللجنة, وبصوت أنهكه المرض وعلمته الحياة قالت: جئت لأصوت علي دستور لن يحكمني يلا حسن الختام, وإنما سيحكم بلدي وأبنائي وأحفادي, ليس المهم النتيجة نعم أم لا, المهم أننا نحترم بعض, ونخاف علي البلد, الاختلاف ليس مشكلة, المشكلة في الصراع علي الكراسي.. الدساتير بتتغير ويتغير الرؤساء وتبقي مصر, لازم نحبها بجد, وبكت من شدة الانفعال. مهندسة شابة جاءت بكرسي صغير مستعدة لساعات الانتظار, قالت: الإحساس بالخطر علي المستقبل دفعني للمشاركة في التصويت. سيدة جاءت ومعها طفلتها تقترب من الثلاثة أعوام, تتحرك بشقاوة بين الطوابير وعيون الأم تتابعها بقلق الطفلة, شاركت الأم والأب وقفتهما في ميدان التحرير في ثورة25 يناير.. كانت وقتها رضيعة هكذا حكت الأم التي رأت أن عدم المشاركة في الاستفتاء بجدية بعد قراءة الدستور خيانة لدم الشهداء. داخل اللجنة كل شيء منضبط, الأوراق مختومة, والقاضي موجود لم يبد أي ضيق من كثرة الأسئلة حول تحقيق الشخصية برغم أن السؤال لابد أن يكون مرتبطا بملاحظة أخطاء أو تجاوزات, لكنه الخوف علي الصوت الذي أصبح قادرا علي التغيير بعدما كان بلا قيمة وبلا أثر. أخيرا أصبح لأصواتنا معني. سألت سيدة: هل الكلام الكثير عن التزوير أصابك بالقلق أو الخوف؟ ردت بحزم: في وجود الشرطة والجيش وإشراف القضاء أنا مطمئنة علي صوتي. في مدرسة مجاورة شاهدت طوابير من الرجال تعدت الكيلومترات, وسط أحد الطوابير انعقدت ما يشبه دائرة نقاش ثلاثة يحملون نسخا مختلفة من مشروع الدستور يحاولون مطابقة عدد من المواد ويفشلون بسبب الاختلاف.. مناقشة راقية لا تعرف منها اتجاهات التصويت. قال أحدهم: بنذاكر قبل امتحان الدستور, وأوضح أنه تجاوب مع الجمعية التأسيسية وأرسل مقترحات وفوجئ أنها لم تهمل وتم الأخذ بها. شاب شارك لأول مرة بعد أن أتم الثمانية عشر قال: جئت لأقول كلمتي في الصندوق لأني ضد التظاهر في الاتحادية, أو أي مكان آخر, سواء مؤيدين أو معارضين. المفروض نحترم إرادة ورأي الناس, وهذا ما سيحقق الاستقرار. في الطوابير وجدت بشرا متسامحا متصالحا لم أسمع من يسأل هتقول نعم أم لا.. قمة التحضر. وجدت أناسا أكثر وعيا ممن يصفهم الإعلام بالنخبة. لاحظت من أحاديث الناس في الطابور وخارجه أن الاستفتاء لم يكن علي الدستور الذي صنعت الفضائيات حالة من الشوشرة علي مضمونه من خلال مواجهات بين المؤيدين والمعارضين أشبه بصراع الديوك منه إلي الحوار الهادئ, أو المناظرة المتوازنة.. الاستفتاء كان علي الاستقرار. لاحظت أن مواد لم يتضمنها الدستور كانت سببا في تكوين رأي رافض أمام أحد المحال التجارية, وفي اليوم التالي للتصويت جلس رجلان أحدهما قال نعم والثاني قال لا, عندما سأله الأول: لماذا رفضت الدستور؟ رد: عايزني أوافق علي دستور يخلي الرئيس يبيع أرض مصر, ابتسم الأول وقال: هل قرأت الدستور؟ رد لا, لكن سمعت في برنامج تليفزيوني. مناقشة أخري بين سيدتين بأحد النوادي تصر إحداهما علي أن الدستور به مادة تحدد فترة الرئيس ب6 سنوات ومن حقه يمد مدة ثانية من غير انتخابات للضرورة, والأخري تؤكد لها أنه لا صحة لهذه المادة مستدلة بالدستور. برغم الشكاوي من بعض المخالفات التي حدثت في بعض اللجان, فإنها لا تبطل الاستفتاء.. حسبما جاء في تقارير المنظمات الحقوقية التي شاركت في الرقابة, لكن الحديث عن التزوير بدأ مبكرا من قبل تصويت المصريين بالخارج, حيث تردد طبع200 ألف بطاقة لتزوير الاستفتاء في الكويت برغم أن إجمالي عدد الناخبين لا يتجاوز60 ألف صوت. التشكيك في النزاهة, والمبالغة في الحديث عن التزوير يدفعان الناس للمقاطعة ويعيدنا إلي المربع صفر, ويفقدنا أهمية نتيجة لثورة25 يناير, وهي إحساس المواطن بقيمة صوته وقدرته علي التغيير, وبالعقل اللي عايز يزور يخلي النتيجة(56.9%) بنعم, و(43.1%) بلا, أم أن الأكثر أمانا يبحبحها شويتين إن سرقت اسرق جمل.. وإن زورت زور بقلب. قوائم العار بعد ثورة25 يناير ظهرت قوائم للعار تضمنت أسماء من كانت لهم تصريحات أو مواقف ضد الثورة. الغريب أن من تضمنتهم هذه القوائم كانوا من بين المتظاهرين في التحرير ضد الدستور والإعلان الدستوري, والأغرب أن أحدهم وكان أحد المتهمين في موقعة الجمل وهو رئيس حزب لم يضبط متلبسا بفعل معارض في عهد مبارك خرج ليعلن قائمة عار بأسماء المشاركين في إعداد الدستور, وهدد بقائمة أخري لمن يوافقون علي التعيين في الشوري. [email protected] رابط دائم :