روي الإمام البخاري بسنده عن ابن أبي مليكة ان ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال الناس بايع لابن الزبير فقلت وأين بهذا الأمر عنه أما أبوه فحواري النبي صلي الله عليه وسلم يريد الزبير وأما جده فصاحب الغار يريد أبا بكر وأمه فذات النطاق يريد أسماء وأما خالته فأم المؤمنين يريد عائشة وأما عمته فزوج النبي صلي الله عليه وسلم يريد خديجة وأما عمة النبي صلي الله عليه وسلم فجدته يريد صفية ثم عفيف في الإسلام قارئ للقرآن والله إن وصلوني وصلوني من قريب وإن ربوني أكفاء كرام.. (انفرد بإخراجه البخاري في كتاب التفسير, باب( ثاني اثنين إذ هما في الغار) ** في هذا الحديث الشريف يقسم ابن عباس رضي الله عنهما انه علي ثقة من أن بني أمية لن يفرطوا في حقه وسوف يكرمونه غاية الإكرام, فما هي الظروف التي جعلت ابن عباس يقول ذلك مؤكدا قوله بهذا القسم؟؟ فهيا نستعرض علي وجه الاختصار ما كان من أمر المسلمين بعد أن انتقل الرسول صلي الله عليه وسلم إلي الرفيق الأعلي حتي يصل بنا المطاف إلي عبدالله بن الزبير رضي الله عنه لنعلم ما كان بينه وبين ابن عباس, فقد تولي الخلافة بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم حصل شرخ هائل في أمة الإسلام بمقتل عثمان وتولي علي الخلافة ولم يسلم له بها معاوية مع أهل الشام وقامت الحروب الطاحنة التي انتهت بالتحكيم وزادت من الخلافات بين المسلمين إلي أن قتل علي رض الله عنه وهو يؤذن لصلاة الفجر أمام مسجد الكوفة وبايع الناس ابنه الحسن ولكنه حقنا لدماء المسلمين تنازل عن الخلافة لمعاوية فأصبح معاوية خليفة للمسلمين, وأراد معاوية أن يكون ابنه يزيد خليفة من بعده فأبي كثير من المسلمين ذلك, ومنهم عبدالله بن الزبير ونظرا لمكانة ابن الزبير حاول يزيد ان يحصل علي بيعته بالقوة فحاصره في مكة ورمي جنود يزيد الكعبة بالمنجنيق حتي احترقت ومات يزيد وأخذ ابن الزبير في بناء الكعبة ثم دعا الناس إلي بيعته بالخلافة فأطاعه أهل الحجاز ومصر والعراق وخراسان وكثير من أهل الشام وتولي مروان بن الحكم الحكم بعد يزيد فانتزع من ابن الزبير بلاد الشام ومصر سنة أربع وستين وفي سنة خمس وستين مات مروان فقام ابنه عبدالملك بالأمر من بعد وقد استطاع ان يمكن لبني أمية وأن ينتزع الكوفة من عمال ابن الزبير, ولسنا بصدد ذكر ما حدث بين بني أمية وابن الزبير وما كان من قتلهم له, لكننا بصدد الحديث عما كان بين ابن الزبير وابن عباس ما جعله يقسم بالله ان بني أمية إن وصلوه وصلوه من قريب.. إلي آخر ما أقسم عليه... ونتساءل ماذا حدث بين ان الزبير وابن عباس؟؟ ونقول لما دعا ابن الزبير إلي بيعته, أيده في ذلك ابن عباس وحث الناس علي ذلك, ولكنه ومعه محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية لم يبايعا وتوقفا حتي يجتمع الناس علي خليفة, ولكن ابن الزبير ألح في هذا وحاصرهما في مكة فأرسل اليهما عبدالملك المختار بن أبي عبيد علي رأس جيش إلي مكة فأخرجوهما إلي الطائف وبقي ابن عباس فيها إلي أن مات, أما ابن الحنفية فقد مات بالمدينة سنة إحدي وثمانين, ومع هذا الموقف من ابن الزبير لم يغمطه ابن عباس حقه, وحين تمكن المختار أن يخرجه إلي الطائف وطلب منه أن ينضم إلي من يقاتلون ابن الزبير امتنع عن ذلك وحين قال له ابن أبي مليكة: أتريد أن تقاتل ابن الزبير فتحل ما حرم الله؟ لأن ابن الزبير كان في مكة وهي حرم آمن لا يجوز فيه القتال, قال ابن عباس: معاذ الله, إن الله كتب ابن الزبير وبني أمية محلين, أي يحلون القتال في الحرم, وإني والله لا أحله أبدا, ثم قال: قال الناس بايع لابن الزبير, فقلت: وأين بهذا الأمر عنه, أي هو جدير بذلك ثم ذكر سبب ذلك فقال: أما أبوه فحواري النبي صلي الله عليه وسلم أي من أنصاره وأحبابه المقربين اليه, وأما جده فصاحب النبي في الغار, يريد أبا بكر, وأما أمه فذات النطاق ذلكم هي أسماء بنت أبي بكر, وأما خالته فأم المؤمنين, يريد عائشة, وأما عمته فزوج النبي صلي الله عليه وسلم يريد خديجة, فخديجة عمة أبيه الزبير, وأما عمة النبي صلي الله عليه وسلم فجدته, يريد صفية بنت عبدالمطلب, وإذا كان ابن الزبير حسيبا نسبيا فله من الصفات الخاصة ما يؤهله أن يكون خليفة للمسلمين, فقد قال ابن عباس عنه بأنه: عفيف في الإسلام, قارئ للقرآن, فليس له في الخلافة مأرب دنيوي إنما أراد أن يقيم شرع الله فهو محب لكتاب الله, ولكن الذي منع ابن عباس من بيعته كما قلنا أنه كان ينتظر اجتماع كلمة المسلمين علي خليفة ولكن ابن الزبير تعجل وحاصر ابن عباس في مكة لإجباره علي البيعة فتعب علي ابن الزبير ذلك انه لما حضرته الوفاة جمع بنيه فقال: يا بني إن ابن الزبير لما خرج بمكة شددت أزره ودعوت الناس إلي بيعته وتركت بني عمنا من بني أمية الذين إن قبلونا قبلونا أكفاء وإن ربونا ربونا كراما, فلما أصاب جفاني, ومعني قوله: ربونا: أي صاروا علينا أمراء, فنعم هذا الخلق لمن تربي في أحضان بيت النبوة ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين.