لا شك عندي, أن ممارسة العمل السياسي في مصر حاليا, تكتنفها العديد من الصعوبات المادية والمعنوية, وبالتالي يبدو لي المشهد أشبه ما يكون ب حلبة مصارعة لا يبقي بها سوي اللاعبين. الذين تتوافر فيهم صفات( ليس بالضرورة من ضمنها الوطنية, والفصاحة, والجدارة, والاستحقاقية), وإنما بدرجة أساسية: الثراء, والفراغ, والكذب, والمراوغة.. ومن ثم لا وجود للدين, أو القيم, أو الأخلاق, أو أي اعتبارات إنسانية, بالقدر المأمول والمطلوب, يستوي في هذا من ينتمون إلي الأحزاب المدنية, أو تلك التي توصف بأنها ذات مرجعية دينية. وفي اجتماعات متعددة, حضرتها بصفتي الحزبية مع نخبة من رموز العمل السياسي, وممثلين لحوالي27 حزبا.. صدمني أحد رؤساء الأحزاب السابقين بقوله إنه لاسياسة بدون مال, ولا مال بدون سياسة, وبالطبع وبصرف النظر عن تلك المقولة التي آلمتني كثيرا, باعتباري من عباد الله الفقراء.. فإنه معلوم لأغلبية الفاهمين, كيف يستطيع المال حشد المؤيدين, وحصد الأصوات, والفوز بأكبر عدد من المقاعد النيابية.. صحيح أن سحر اللعب علي أوتار الحس الديني لا يقاوم وخصوصا في المحافظات النائية, لكن كما ذكرت, فإن تأثير المال له اعتباره ووزنه, وقوته التي يصعب التشكيك بها. علي الجانب الآخر, أتصور أن ممارسة العمل السياسي( إلي حد كبير) مرتبطة بالتلون والكذب والتمويه والخداع.. ومن دون شك, فإن هذا يتنافي مع صحيح الدين, لدي من يتمسحون في ردائه, ويستترون وراء عباءته مقدمين أنفسهم للبسطاء, وكأنهم يحتكرون توكيل التحدث باسم الدين, والذود عن حياضه, ومن ثم فهم لا يجدون أي غضاضة في إطلاق دعاوي التكفير والتخوين, ضد كل من يختلف معهم, أو حتي يعارض بعض تصرفاتهم. للأسف الشديد أدركت أن هؤلاء وأولئك, لا يرون( أو لا يريدون أن يروا) إلا لونا واحدا( إما أبيض أو أسود) وبالتالي يعزفون عن المناطق الرمادية, التي تتوسط اللونين المشار إليهما.. وهذه بحد ذاتها إشكالية حقيقية; لأنه أن يكتفي إنسان متعمدا بالاطلاع والتركيز علي أحد جانبي الصورة ويهمل الجانب الآخر, فإن هذا يعكس- بكل تأكيد- تشوشا في الفكر, واضطرابا في الرؤي, وضعفا في الإيمان. وفي هذا المقام يمكن التذكير بالحديث الذي رواه عبد الله بن جراد عن أبي الدرداء, الذي سأل الرسول صلي الله عليه وسلم قائلا: يا رسول الله! هل يسرق المؤمن ؟ قال:( قد يكون ذلك). قال: هل يزني المؤمن ؟ قال: بلي وإن كره أبو الدرداء. قال: هل يكذب المؤمن ؟ قال:( إنما يفتري الكذب من لا يؤمن...). وبغض النظر عن تشكيك بعض الفقهاء في صحة هذا الحديث, فإنه من الثابت أن المنطق, كما يقول الجرجاني عالم البلاغة المعروف هو العاصم من الوقوع في الخطأ. [email protected] رابط دائم :