في العشرين من أكتوبر سنة1966 رحل الفنان محمد فوزي إلي دار البقاء بعد معاناته مع مرض غريب احتار في تشخيصه الطب والأطباء وقد كان في رحلة علاج في لندن علي مدي شهري أغسطس وسبتمبر من ذاك العام. وبعد عودته بأقل من شهر كان الرحيل, وفي ذكري وفاته قبل بضعة أسابيع احتفلت دار الأوبرا بالمناسبة وأقامت حفلا غنائيا قدمت منه العديد من أغنياته ومن أغنيات مطربين آخرين لحن لهم محمد فوزي واستمتع جمهور الحفل بفن هذا الفنان الموسيقار الممثل المنتج السينمائي وأول مصري ينشيء شركة لانتاج الاسطوانات فقد كان يرحمه الله متعدد المواهب وصاحب فكر متقدم في كل أعماله, واعادني حفل الاوبرا إلي ذكريات بعيدة تصل في مداها إلي ستين عاما يوم ان عرفت هذا الانسان وتأسست منذ ذاك الحين صداقة ظلت حتي فارق الحياة وهو في أوج عطائه وعنفوان قدرته الفنية.. بدأ اللقاء مع محمد فوزي في منتصف ديسمبر سنة1952 وكان ذلك في مناسبة سفري مذيعا أوفدته الاذاعة مع قطار الرحمة الذي توجه من القاهرة إلي أسوان لجمع التبرعات العينية والمادية لمنكوبي فلسطين الذين فاجأهم الصهاينة باستلاب أرضهم وصاروا شتاتا في البلدان العربية, والفكرة في تسيير قطار الرحمة الذي جاب أنحاء مصر جنوبا وشمالا وشرقا وغربا كانت لقائد الجناح وجيه أباظة مدير الشئون المعنوية بالقوات المسلحة عقب ثورة الثالث والعشرين من يوليو سنة1952. وباعتباري مذيعا من أبناء الصعيد فقد رأت الاذاعة أن أصاحب قطار الرحمة المتجه إلي مدن الصعيد لتقديم رسالة اذاعية عن الرحلة وعن تبرعات أهل الصعيد لأخوتهم الفلسطينيين, كانت مجموعة الفنانين التي كلفت بمهمة قطار الصعيد تضم عز الدين ذو الفقار وزوجته فاتن حمامة ومحمود ذو الفقار وزوجته مريم فخر الدين وعماد حمدي وشادية ووالدتها وماجدة ووالدتها والمنولوجست ثريا حلمي ومحمد فوزي وزوجته مديحة يسري وعددا آخر من الفنانين يغيبون عن الذاكرة حيث مر علي هذه المناسبة ستون عاما وتوجه القطر من القاهرة رأسا إلي أسوان وأعضاء الرحلة ينامون فيه ويأكلون ومن أسوان قام القطار ليمر علي عواصم المديريات ويكون في الاستقبال الباشا المدير والمسئولون وتوضع التبرعات العينية في عربات بضاعة ويتسلم قائد القطار العميد عمر عبد الله والمقدم عبد الرحمن حسني التبرعات المادية. وكان الفنانون ينزلون إلي شوارع المدينة التي يقف عليها القطار ويلتقون بالأهالي ويحثونهم علي التبرع وكان محمد فوزي يغني لهم وكذلك شادية وكنت أنا أقوم بتقديم الفقرات علي المسارح البسيطة في مدن الصعيد وظللنا في القطار اسبوعين وأذكر انني دعوت الجميع إلي عشاء في قريتي التي استقبلتهم بإطلاق الأعيرة النارية وبأنوار الكلوبات حيث لم تكن الكهرباء قد دخلت مدن وقري الصعيد ونشأت صداقة وألفة بيني وبين محمد فوزي لم تنقطع بعد انتهاء رحلة القطار وكان يخصني بتسجيل مقدمات أفلامه التي كانت تقدم في دور العرض السينمائي قبل عرض الأفلام وكنت أكتب معه كلمات المقدمة وكم جلست معه في حديقة منزله في آخر شارع الهرم وكنت أزوره كثيرا في مكتبه حيث شركة الانتاج السينمائي الخاصة به ويوم افتتاح مصنع الاسطوانات في العباسية سجلت حديثا معه لمجلة الهواء وهو البرنامج الاذاعي الذي قدمته علي مدي ثلاثين عاما وكان عندما يأتي إلي الاذاعة ليهديها أغاني أفلامه كما كنت أقوم بتقديمه عندما كان يسجل أغنيات خاصة بالاذاعة وكانت الاذاعة تدفع مقابل تأليف الأغنية وتدفع أجور الموسيقيين أما هو فقد كان يقدم أغانيه هدية للاذاعة: وفي صيف سنة1966 ذهب محمد فوزي إلي العلاج في لندن وفي تلك الأيام نظمت انجلترا كأس العالم لكرة القدم وأوفدتني الاذاعة لتغطية الحدث وسألت السفارة المصرية عن عنوان فوزي وقمت بزيارته وفتحت لي الباب زوجته كريمة التي كان يطلق عليها اسم فاتنة المعادي, كان فوزي بادي الهزال وان كانت بسمته لا تفارقه وسجلت معه حديثا اذاعيا عن تفاصيل المرض والعلاج وزرته أكثر من مرة وأنا في لندن. وعاد فوزي إلي مصر في سبتمبر من ذاك العام وزرته في منزله بالعمارة الشاهقة علي شاطيء النيل في جاردن سيتي ثم حسم القضاء وارتحل فوزي إلي دار البقاء ليترك ذخيرة من الألحان والأغنيات بطعم مختلف فقد كان يرحمه الله صاحب أسلوب منفرد ومذاق خاص يرحمه الله.