تطالعنا الصحف حاليا وخلال الأيام الماضية بتصريحات للسيد وزير المالية تفيد بأنه يجري التفاوض مع صندوق النقد الدولي حول حصول مصر علي قرض من الصندوق بمبلغ4.8 مليار دولار أمريكي, وأن المفاوضات تشمل برنامجا للاصلاح الاقتصادي والاجتماعي ونستطيع أن نستشف من هذه التصريحات أن الغرض من القرض هو تمويل عجز الموازنة العامة للدولة أي تغطية الفجوة بين الايرادات الحكومية والنفقات الحكومية,وهنا تبرز العلاقة الارتباطية بين موافقة الصندوق علي القرض وبين برنامج الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي يجري التفاوض حوله حيث أن هناك فرقا بين تمويل عجز الموازنة العامة وبين تصحيح هذا العجز إذا أن تمويل العجز يعني تغطية جانب من الزيادة في الانفاق الحكومي علي الايرادات الحكومية أما تصحيح العجز فيقصد به وضع السياسات والاجراءات التي تكفل خفض النفقات وزيادة الايرادات حتي تصبح الفجوة التمويلية تدريجيا في الحدود الآمنة دوليا وهي3% من الناتج المحلي الاجمالي وهنا لنا وقفة مع الجانب المصري الذي يجري عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي حيث إن مبلغ القرض المحدد ب4.8 مليار دولار أمريكي غير معروف الاساس الذي حدد عليه هذا المبلغ, كما أن الغرض من القرض غير معلن, هل هو لتغطية الانفاق الجاري أم الانفاق الاستثماري وما هي مجالات هذا الانفاق الاستثماري, وما هي نوعية المشروعات التي سوف تمولها الحكومة من هذا القرض وما هو مردودها الاقتصادي والاجتماعي الذي يجري التفاوض حوله مع صندوق النقد الدولي بشأن سياسات واجراءات تصحيح العجز في الموازنة العامة للدولة عن طريق خفض النفقات وزيادة الايرادات, وما هي بنود الانفاق التي سوف يتم خفضها وبأي نسبة وعلي أي مدي من السنوات, كذلك من غير المعروف بنود الايرادات التي سوف تتم زيادتها, هل هي ايرادات ضريبية, وأي نوع من هذه الضرائب وبأي نسبة, أم هي رسوم إضافية علي انشطة اقتصادية مختلفة قد يترتب عليها زيادة أعباء المستثمرين ولا شك أنه يعتبر من الخطأ الجسيم عدم الكشف عن غرض القرض وشروط الصندوق التي يضعها للموافقة علي القرض وكذلك عدم الاعلان عن الاجراءات التي سوف يتم تنفيذها للاصلاح. إنه خطأ جسيم في حق هذا الشعب الذي سوف يحمل عبء سداد هذا القرض في السنوات القادمة كذلك يعتبر من الخطأ الجسيم اتخاذ قرار الحصول علي قرض الصندوق دون دراسات تسبق هذا القرار بواسطة مراكز البحوث والجهات العلمية المتخصصة ودراسة البدائل الأخري لهذا القرض وتكلفة كل بديل, حيث ان القرض ليس هو البديل الوحيد المطروح لتغطية الفجوة التمويلية في الموازنة العامة للدولة. اذ انه كان يجب علي وزارة المالية تكليف بعض مراكز البحوث والجهات العلمية بدراسة البدائل الممكنة لتغطية عجز الموازنة العامة للدولة والتي قد يكون من بينها فرض ضريبة صغيرة علي الانفاق علي مكالمات المحمول أو فرض ضريبة صغيرة علي الانفاق علي التدخين, أو طرح مناطق بالظهير الصحراوي لاقامة مدن جديدة علي المستثمرين المصريين في الداخل والخارج واستخدام حصيلة هذه البدائل لتغطية جانب من عجز الموازنة العامة. إن ما يجب تصحيحه في الواقع قبل عجز الموازنة هو منهج اتخاذ القرارات لدي الادارة الحكومية وهو المنهج غير العلمي في اتخاذ القرار, والذي قد يحمل في طياته مشاكل أو سلبيات كبيرة قد تضر بالغالبية العظمي من الشعب خاصة الفقراء ومحدودي الدخل يصعب علاجها في مدي زمني قصير إذ أن تضخم المديونية وزيادة عبء خدمة الدين له آثار سلبية علي الانفاق في مجالات التعليم والصحة والبحث العلمي والاستثمار في مشروعات البنية التحتية الاساسية وعمليات الاحلال والتجديد للأصول المتهالكة إذ قد يواكب هذه الزيادة في عبء خدمة الدين خفض في بعض بنود الانفاق الحكومي مثل الدعم أو زيادة في الايرادات الحكومية من مصادر جديدة قد تؤدي إلي خفض القوة الشرائية والانفاق الاستهلاكي وتباطؤ معدل النمو الاقتصادي. أرجو أن أكون قد استطعت في هذه الكلمات القليلة ان القي الضوء علي الجوانب المهمة في موضوع قرض الصندوق وهي الأخطاء الجسيمة من تعتيم جماهيري, ومنهج غير علمي في اتخاذ القرار وتهميش هذا الشعب الذي هو صاحب المصلحة الأولي والحقيقة في مثل هذه القرارات, وتهميش خبرائه وعلمائه واساتذته ومتخصصيه في الشأن القومي. إن من مقتضيات الحكم الرشيد الاستماع إلي صوت العلم, والانصات إلي أهل الرأي وذوي الخبره من ابناء مصر الشرفاء.