عاش مبتسما.. مات في صمت.. رحل في هدوء.. الجنازة في سقارة.. العزاء في القاهرة.. جاءني نعي الزميل بدر الدين أدهم محرر الشئون العربية بالأخبار فتلقيته بما يشبه التسليم المطلق, التسليم الذي يرقي لأن يكون استسلاما أمام جلال الموت, أمام رهبته, أمام هيبته, أمام سطوته. ليست له أسباب, وليست منه موانع, وليس منه ملجأ نحتمي به, ولا مهرب نلوذ إليه. جاءني الخبر الحزين, فنزل علي قلب مجروح, نزل علي قلب موجوع, لا تداويه الدموع, ولا تحميه الضلوع, ولا يشغله عن لغز الموت موضوع. دائما أشعر أن الموت يختبئ لي في مكان ما, في درج المكتب, خلف الباب, علي قارعة طريق, في دولاب الملابس, في مصعد عمارة, تحت مقعد في طائرة أو سيارة. دائما أتخيل أنه يواعدني في لحظة معينة في زمان يحدده هو ويعلمه وحده, وأتعشم أن يخبرني به, ولكنه لا يسمع ولا يجيب, ربما يواعدني الآن وأنا أكتب هذه الكلمات, ربما ينزل علي رأسي وأنا في الطريق إلي البيت, وربما يفاجئني وأنا نائم في سريري, وربما يستقبلني وأنا ذاهب إلي العمل, وربما يلقاني علي الطريق السريع. أعود إلي بدر الدين أدهم, أخ أكبر, عمدة, فلاح, ابتسامة عريضة, متناسقة مع قامته, مع امتلاء جسده, مع حركة أكتافه, مع كلمات الترحيب, مع روح الاحتفاء, مع طابع السرور الدائم في محياه, مع إشراقة نفسه, مع إضاءة روحه. كل ذلك ذهب, رحل, اختفي انتقل إلي عالم آخر, وبقيت منه الصورة, الذكري, الأنفاس, الأصداء,, الموت هو السلطة العليا التي تضبط حركة الحياة, وتتولي تنظيمها, وتضمن استمرارها, وتحفظ تقدمها. الموت هو أصل الحياة, وسرها, ولهذا فإنه يبقي أكثر الحقائق وضوحا.. وأكثرها غموضا.. في آن واحد. عزاء خالص لأسرته, لزملائه في دار أخبار اليوم, وللأسرة الصحفية كلها.