في النادي العريق الواقع في عاصمة البحر المالح دار الحوار, وشي عنوان اللقاء مصر إلي أين بحيرة الوطن, وجسد السؤال الهم والقلق الذي يجتاح مصر. انفصلت عن اللقاء, فقد جاءتني اطياف الماضي بعبير الأيام الساخنة, في هذا النادي الجامعي اختلجت الأفكار الثورية, وانطلقت الآراء الحرة والحماسية وسجلت المواقف الوطنية, ليترك هذا النادي بصمته في إرهاصات الثورات الحديثة, ثورة الجيش التي التحم بها الشعب في منتصف القرن الماضي, وثورة الششعب التي عبث بها قادة الجيش في مطلع القرن الحالي. وتساءلت من يكتب تاريخ هذا النادي ويسجل إسهاماته في تشكيل وجدان هذه الأمة. طرح المتحدث سؤالا مبدئيا قبل السؤال المحوري, أي مصر تلك التي نتحدث عنها؟ فمصر تتباين في الزمان وتختلف في المكان, وسرحت بعيدا, فمصر الزمان تعيش أفكارا تنتمي لأزمنة مختلفة, جماعات بعضها يعيش زمن ثورة يناير, وبعضها يعيش عصر مبارك. وهناك من يعيش زمن عبد الناصر, ومازال البعض يذكرون أيام جلالة الملك! ولكن ماذا عن مصر التي تعيش عهد الصحابة والخلفاء الراشدين. ومصر المكان تختلف في خدماتها الاجتماعية وحياتها الإنسانية باختلاف الموقع والجغرافيا, فمصر الإسكندرية تختلف عن مصر حلايب وشلاتين والنوبة, وعن مصر رفح وسيدي براني. بل ان قاهرة التجمع الخامس وجاردن سيتي التي تستورد زهور أفراح الأنجال من هولندا تختلف عن قاهرة الدويقة وبولاق الدكرور التي تشرب المياه الملوثة وتأكل الأطعمة الفاسدة من المخلفات( إن وجدتها) تساءلت هل هذا التمزق الوجداني والاجتماعي هو الذي أدي بأمة ولدت كاملة, وكانت أول من نادي بالتوحيد وسلة غذاء الإمبراطورية الرومانية, إلي أمة تناحرت فيها الأفكار, واختلفت الرؤي, واختلت الخدمات, وضاع فيها العدل الاجتماعي لتسأل نفسها في مطلع الألفية الثالثة سؤالا حائرا إلي اين؟ ما الذي جري في بر مصر إذن؟ لقد قامت ثورة سيذكرها التاريخ بشموخ شهدائها وعظمة أبنائها, انتفضت علي حكم جائر وأسقطت رأسه, ولكن النظام مثل التنين في أساطير الإغريق طلعت له رؤوس أخري لابد من قطعها. وشهد المصريون الثورة بعيون مختلفة, الشباب رأي فيها الأمل والمستقبل, والمظلومون تمنوا عليها العدل والرخاء, المهمشون وجدوا فيها فرصتهم لتغيير أحوالهم, والباحثون عن دور وجدوا فيها ضالتهم للنضال وارتداء مسوح البطولة, كما تصور بعض رجال الشرطة( الذين أدمنوا السيادة) تلك الثورة تقويضا لمكانتهم, وشهد فيها وجهاء السلطة انهيارا لدولتهم, واعتبرها لصوص المال والأعمال ضياعا لثرواتهم. وشهدت الدولة انتخابات شرسة تحالف فيها القوي الساقطة مع بعضها البعض, وتناحرت القوي الصاعدة ضد بعضها البعض, وجاءت نتيجة الانتخابات, وكان من المفترض طالما رضينا بالصندوق حكما أن تلتف الأمة حول حكمه لنبني معا مجتمع الحرية والعدل, ولكن البعض يأبي إلا أن يؤجج الصراع ويزيد الغمة, فمازال الصراع مستمرا. وتعجبت حين خرجت المظاهرات( الوطنية) لإسقاط الذي نجح, وترفض نتاج الممارسة الديمقراطية الوليدة, وكان الرد من القوي المؤيدة للنظام الجديد غبيا بامتياز, فأجج عنفها المرفوض المظاهرات الرافضة, وأمدها بالمبرر بأثر رجعي, وأعطاها مسحة من التعاطف. وتساءلت متعجبا, ما الذي يجري بالضبط؟ هل هناك مؤامرة علي الوطن أم أنا واهم؟ هل الثورة المضادة قوية الي هذا الحد؟ فهناك من يهددنا بقوته وقدرته علي تحريك الأمور من بعد, وتجئ روائح عفنة من برامج البعيد عن التوفيق والمقالات الخرساء أو تغميزات غير اللطيف أو كلمات السماوي المعسولة. والمسمومة معا, فها هي حالات إنكار مرضية, أو محاولات ارتدادية امتشقت سيوف الثورة المضادة لتحارب طواحين هوائها الراكد فوق قلوبنا منذ ثلاثين عاما( أو ستين) يتصورون أو يريدوننا أن نتصور أنهم يحمون حرية الكلمة التي امتهنوها( من المهانة قبل المهنة) وينادون بالدولة المدنية التي تذكروها بعد عقود من الخدمة في بلاط الدولة القمعية, والتفاني في تلميع رموز دولة الحرامية,يدافعون عن شرف الإلهام وينسون من تطاولوا علي شرف ملهم الثورة, والمنادي والثوار معه بنهاية دولة الاستخفاف بالشعب المقهور. قلنا هذه دولتهم زالت( ربما بسببهم) وهم لا يصدقون ولا يعون, يكذبون أعينهم ويحلمون بعودة الزمن الرديء,هم يحتاجون إلي من يعاونهم علي الاستفاقة والتسليم بأن هناك ثورة قامت في يناير2011 م واستقطت النظام, ولكنهم يرتدون مسوح الثورة بينما هم يريدون إسقاط الثورة وإسقاط الشعب. أتساءل أين دور المثقفين في البحث عن معالم الطريق؟ وهل يسعي المثقفون للتنوير والبحث عن سبل التعاون والتضافر بين أركان هذه الأمة حتي تعرف مصر إلي أين؟ وأتعجب من دور بعض النخبة التي تخوفنا من قوي الظلام الزاحف علي الوطن, وأتأمل الذين اختاروا أن يحملوا مصابيح الظلام,ولم يفكروا في إضاءة شمعة واحدة لترشد الثورة التي تاهت,وأتساءل هل تقدم النخبة الحل أم لعلها أصبحت هي المشكلة؟ جامعة الإسكندرية