في أمسية ثقافية ممتعة بنادي الإسكندرية الرياضي. كان الحديث ممزوجا بعرض لملامح فيلم وثائقي يتم إعداده عن معركة بحرية مثيرة جرت منذ45 سنة بالتمام والكمال, في21 أكتوبر1967 م,والذي أصبح عيدا للبحرية المصرية. المعركة لها خلفية يعرفها كل من عايش تلك الفترة الممتلئة بالأحداث,ففي الخامس من يونيو من نفس العام, تمل العدو بنشوة النصر,فلقد امتلك الأرض والبحر والجو, اكتسح الصحراء ليتمركز علي ضفة القناة, وعربد في السماء بطائراته التي قصفت المدنيين,وسيطر علي البحار بأسطوله ومدمراته التي هددت سواحلنا وانتهكت مياهنا الإقليمية المدمرة ايلات ليلة12/11يوليه1967 جاءت لتدخل في مدي المدفعية الساحلية المصرية في بورسعيد,وكأنها تتحدي أن يعترض أحد علي استفزازاتها وتجاوزاتها, تماما مثل الفتوة البلطجي الذي يتحرش بالآمنين داعيا لخناقة جديدة أو التسليم بسيادته والتعايش مع قلة أدبه. تصدت زوارق الطوربيد المصرية للمدمرة, فنصبت لها إيلات كمينا,وفتحت عليها وابلا من النيران, وقرر قائد الزورق المصري شيئا هو الجنون بعينه فقد انطلق نحو المدمرة لينفجر معها وفيها, فكثفت إيلات نيرانها عليه وفجرت الزورق وأغرقت طاقمه علي بعد أمتار قليلة قبل أن يصل اليها وينال منها نتيجة المعركة كانت محسومة بين المدمرة العملاقة المدججة بالسلاح وبين الزورق بتسليحه المحدود, فماذا تتوقع من معركة تنشب بين نمر متغطرس, متباه بقوته وقط رافض لغطرسة القوة, وماذا تفعل مخالب القط أمام أنياب النمر الغادر. تذكرت مجموعة الدراسات والمقالات القيمة التي عرض فيها الدكتور إبراهيم البحراوي ماسجله الأدب العبري فيصور الأديب الإسرائيلي يوساي جمزو تلك المعركة في قصة قصيرة تحت عنوان مكنسة علي الصاري تأتي علي هيئة يوميات المدمرة إيلات, وعنوان القصة مأخوذ من التقاليد البحرية الدولية, حيث تضع القطع البحرية مكنسة تربطها باعلي الصاري وهي عائدة الي قاعدتها بعد أن تحقق انتصارا علي العدو. تصف القصة بتلذذ تفاصيل إطلاق النار علي الزورق المصري, وتحويله الي كتلة من اللهب, ومتابعة قائد الزورق ونائبه, وهما يحاولان السباحة بين النيران ثم اختفائهما في الأعماق. وتقول اليوميات:وصلت المدمرة إيلات الي ميناء أشدود تحمل علي جسدها بعض الجروح, ولكنها تحمل في نفس الوقت مكنسة مشدودة الي الصاري ذلك هو التصوير الأدبي للحقيقة المنقوصة والمجتزأة, فالقصة لها كمالة مثيرة في21 أكتوبر1967 م, ولقد حاول المخرج علي عبد الخالق تصوير الحقيقة كاملة وتوثيقها حين عادت إيلات لتخترق المياه المصرية لإظهار عجز قواتنا البحرية عن التصدي لهاوفرض معركة جديدة تتحكم في مكانها وتفرض زمنها, والمثير أن المدمرة كان علي متنها طلاب البحرية الإسرائيلية للتدريب!!(منتهي الثقة والاستخفاف) خرجت زوارق الطوربيد المصرية, وتم ارسال إشارة لاسلكية مصرية للتمويه والخداع بمنع الاشتباك حتي لو دخلت المدمرة المياه المصرية, ليلتقطها العدو, بينما كانت الأوامر الفعلية بالاشتباك عند دخولها المياة الإقليمية. يروي المقاتل أحمد شاكر القارح, تفاصيل العملية...ومشينا الي أن وصلت الي خط سير الإطلاق الصحيح ثم أطلقت الصارخ فكان في الاتجاه السليم,إذ شاهدنا الصاروخ علي شاشة الرادار وهو يخترق منتصف الهدف وبعد دقيقتين أطلقت الصاروخ الثاني فرأيت الهدف علي الفور يهبط ويغوص في الماء, واختفي من علي شاشة الرادار بعد ثلاث دقائق وعندئذ أمرت اللنش الثاني بأن ينسحب حيث رأينا الجو قد امتلأ بالدخان من أثر الانفجار وشاهدت علي الرادار أهدافا صغيرة هي علي مايبدو القطع التي تفتت إليها المدمرة التي أصبناها. وهكذا غرقت المدمرة إيلات شمال شرق بورسعيد وعليها طاقمها( ومتدربوها) أصابها صاروخ إصابة مباشرة فأخذت تميل علي جانبها, وبعد اطلاق الصاروخ الثاني غرقت إيلات داخل المياه الإقليمية المصرية بنحو ميل بحري شهادة الضابط الإسرائيلي الجريح( بعيدا عن الرواية الأدبية): أطلق علينا صاروخان من الزوارق المصرية وفجأة وجدنا أنفسنا في حالة عجز كامل والمدمرة عاجزة عن الحركة ثم ضربت بصاروخ ثالث وبدأت تغرق, ..ووجد البحارة الذين نجوا من الانفجار أنفسهم يسبحون في بحر من الزيت المغلي.. الشهادة ترصد ماحدث لأول مرة في التاريخ البحري لمدمرة حربية يغرقها لنش صواريخ فكانت عجيبة أن يفترس القط الجريح النمر الكاسر. الأديب جمزو يخصص كل مساحة القصة فيما عدا الفقرة الأخيرة لانتصار إيلات في المعركة قبل الأخيرة, حيث تنتهي بكلمات القاص المقتضبة وبعد ذلك عرفت المدمرة إيلات الآلام والآهات,. عرفت كذلك النهاية المريرة عرفت رايات الحداد. ويكشف الدكتور البحراوي من خلال بناء القصة عن إحدي الوظائف الرئيسية للأدب العبري في اسرائيل, وهي وظيفة الحشد والتعبئة والمواساة في الهزائم والعمل علي رفع المعنويات وفي تصوري أن القاص كان يعيش حالة إنكار ذاتية, خلافا للقصيدة باللغة العبرية للشاعر الإسرائيلي بنحاس بلدمان بعنوان الضوء الذي فوق البحر وكتاب اسحاق شيشان قائد المدمرة إيلات الرحلة الأخيرة الذي يصور غرق المدمرة إيلات. نحن في حاجة الي توثيق التراث العسكري لحروب أكتوبر, لنكتب لإبنائنا رواية عن الصاري والمكنسة في أعماق البحر!! جامعة الإسكندرية