يبدو أن الحريق الذي اشتعل في المسجد الأقصي في1969/8/21 مازال مشتعلا ويكاد أن يأتي علي كامل المسجد دون تحرك عربي أو إسلامي فاعل يتناسب وحجم الهجمة الإسرائيلية الشرسة التي يتعرض لها الأقصي يوميا من اقتحامات ودعوات لهدمه أو تقسيمه أو السيطرة عليه في وقت ينشغل فيه العالم العربي والإسلامي بالثورات العربية. وطبقا لتقرير صادر عن مركز الزيتونة للدراسات فإن اليهود علموا أن بإمكانهم فعل أي شيء بعد نجاحهم منذ ثلاثة وأربعين عاما في الوصول للمسجد الأقصي وإضرام النيران فيه, بعد تجدد الانتهاكات الاسرائيلية للمسجد. وعندما سئلت جولدا مائير عن أصعب يوم في حياتها أجابت بأنه يوم أحرق المسجد الأقصي وعندما سئلت عن أسعد يوم في حياتها قالت ايضا إنه يوم أحرق المسجد الأقصي, وقالت في البداية اعتقدت أننا نواجه آخر يوم في دولة إسرائيل, ولكن عندما رأيت رد فعل المسلمين فهمت أن إسرائيل آمنة في العالم العربي! علي هذه الخلفية عملت المؤسسات الإسرائيلية الرسمية والجمعيات اليهودية الدينية علي استهداف المسجد الأقصي بأشكال مختلفة ضمن خطة تهويد ممنهجة وخطيرة تعتمد علي ترويض الوعي العربي والإسلامي وتخاذل الأنظمة السياسية طوال العقود الماضية من احتلالها للقدس. غير أن ما شهدته المنطقة العربية منذ نهاية عام2010 من تحول تاريخي وما أفرزته الثورات العربية من إصرار الشعوب علي نيل حريتها وإقامة أنظمة سياسية تعبر عن إرادتها وتطلعاتها, لا يمكن فصله عما يجري في فلسطين عموما والقدس خصوصا, كما أن له انعكاساته علي السلوك الإسرائيلي تجاه المسجد المبارك الذي هو موضوع تقريرنا. ويرسم لنا مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات من خلال هذا التقرير صورة للأحداث التي تعرض لها المسجد الأقصي خلال عام مضي, وما وصلت اليه المساعي الصهيونية للاستيلاء عليه, كما يحاول استشراف السياسة الإسرائيلية المحتملة تجاهه وتحليل فرص الأمة في الحفاظ عليه وإنقاذه. اقتحام الأقصي توالت اقتحامات المسجد الأقصي التي ينفذها سياسيون ورجال أمن ومتطرفون يهود خلال الفترة الممتدة من22 أغسطس2011 حتي21 أغسطس2012 وعلي الرغم من أن الاقتحامات في عمومها اقتصرت علي دخول مجموعات متطرفة صغيرة إلي الأقصي, إلا أن الخطير فيها كثافتها ومحاولاتها تكريس الوجود اليهودي داخل باحات المسجد, حيث قراءة الفترة التي يغطيها التقريرتظهر ان الاقتحامات باتت تتم بشكل شبه يومي بدعم من قوات الاحتلال وحمايتها وفيما يلي الاقتحامات: في(2011/9/18) اقتحم افراد من المستوطنين والجماعات اليهودية المسجد الأقصي المبارك بدعوة من منظمات يهودية تنضوي تحت اسم الحركة من أجل إقامة المعبد وسط حراسة مكثفة من قوات الاحتلال الإسرائيلي. في(2011/12/22) قام نحو140 مستوطنا, من بينهم طلاب مدارس يهودية باقتحام المسجد الأقصي بحراسة مشددة من قوات الاحتلال الإسرائيلي بمناسبة ما يطلق عليه عيد الهانوكا الأنوار, حيث أدي قسم من هذه المجموعات بعض الشعائر التلمودية والدينية اليهودية الخاصة بمراسم المعبد المزعوم. *(2012/1/8) اقتحام الأقصي من قبل مجموعة من جيش الاحتلال الإسرائيلي قوامها عشرة جنود بلباسهم العسكري, وهو ما كان محظورا منذ انتفاضة الأقصي الثانية عام2000. * في(2012/3/13) اقتحم المدعو موشيه فيجلين أحد قيادات حزب الليكود المسجد الأقصي بحراسة مشددة من قبل قوات الاحتلال, وتحت غطاء من السرية, حيث تجول ومجموعة مرافقة له من المستوطنين في أنحاء المسجد الأقصي, وأدوا الصلوات اليهودية والشعائر التلمودية في أكثر من موقع في المسجد, كما كان أحدهم يحمل خارطة تظهر صورة المعبد المزعوم مكان قبة الصخرة. * وفي(2012/4/8) اقتحم75 مستوطنا ساحات المسجد الأقصي من جهة باب المغاربة بالتزامن مع ما يسمي بعيد الفصح اليهودي, فيما اقتحم المسجد في اليوم ذاته13 مستوطنا, وأقاموا حلقات رقص وغناء عند مدخل باب السلسلة الذي يعد أقرب باب للمصلي القبلي بالمسجد. * وتكرر ذلك في(2012/5/21) عندما اقتحم الأقصي مجموعة من جنود جيش الاحتلال, وذلك عبر مجموعات صغيرة من جهة باب المغاربة بحماية وحراسة قوة معززة من عناصر الوحدات الخاصة بشرطة الاحتلال, فيما يشبه إلي حد كبير أجواء التدريبات. * وفي(2012/7/9) اقتحم الأقصي186 ضابطا وجنديا إسرائيليا و60 مستوطنا و1029 سائحا خلال فترة السياحة الصباحية من باب المغاربة. و في(2012/7/25) استباح120 مستوطنا المسجد الأقصي ونظموا ما يشبه الاقتحام الجماعي المتتالي, مع تقديم الشروح الدينية والتلمودية وأداء بعض الطقوس والصلوات اليهودية. ويوضح التقرير أن معدل الاقتحامات التي تعرض لها المسجد الأقصي خلال سنة2012 تضاعفت عما كانت عليه السنة الماضية, حيث سجلت مؤسسة الأقصي للوقف والتراث خلال الأشهر الثلاثة الأولي من عام2012, اقتحام أكثر من ألف مستوطن, فيما بلغ عدد السياح63,887, أي بزيادة حوالي ستة أضعاف مقارنة بالفترة نفسها من سنة2011. ولم تقتصر الاعتداءات الإسرائيلية علي المسجد الأقصي فقط علي الاقتحامات, بل ترافق ذلك مع ارتفاع سقف التصريحات السياسية تجاه المسجد الأقصي, حيث أعلنت الإذاعة العبرية في يوليو2012 عن تصريح للمستشار القانوني لحكومة الاحتلال يهودا فاينشتاين اعتبر فيه أن المسجد الأقصي جزء لا يتجزأ من أراضي الدولة العبرية ولذا ينطبق عليه القانون الإسرائيلي ولا سيما قانون الآثار وقانون التنظيم والبناء. كذلك تقدم أرييه إلداد العضو في برلمان الاحتلال في أغسطس2012 بمشروع قانون يتضمن تقسيم المسجد الأقصي زمنيا بين المسلمين واليهود. ويقضي المشروع بتخصيص أوقات لليهود لزيارة المسجد والصلاة فيه مقابل أوقات محددة لصلوات المسلمين اليومية وأعيادهم, وكان إلداد قبل ذلك قد صرح في2012/7/28 لدي مشاركته في مسيرة في القدس بمناسبة ما يسمي بذكري خراب المعبد بأنه يجب مستقبلا إزالة المسجد الأقصي من دون هدمه ونقله إلي مكان آخر ليحل محله المعبد اليهودي. وقد أنتهج الكيان الصهيوني سياسة الإبعاد عن المسجد الأقصي كأسلوب عقابي تجاه الشخصيات المقدسية التي تدافع عن الأقصي وتجاه المرابطين فيه من طلبة المصاطب والمدافعين عن المسجد بوجه اقتحامات المستوطنين, ففي2011/10/7 أصدرت محكمة الصلح الإسرائيلية أمرا يقضي بمنع أربعة مواطنين من مدينة القدس من دخول المسجد الأقصي لمدة شهر, وألزمتهم التوقيع علي كفالة مالية بقيمة7 آلاف شيكل لكل واحد منهم, وذلك بتهمة مواجهة المستوطنين. وفي أبريل2012, أصدرت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية قرارا بحق الشيخ عكرمة صبري, خطيب المسجد الأقصي, يقضي بمنعه من دخول الأقصي لمدة شهرين, وهي المرة الثالثة التي يصدر فيها مثل هذا القرار بحقه, بالإضافة إلي منع شخصيات أخري, كالشيخ رائد صلاح, من دخول الأقصي. هذه السياسة إنما استهدف فيها المسجد الأقصي قبل استهداف المقدسيين وذلك من خلال العمل علي تضيق الخناق عليه ومنع المقدسين من حمايته ليترك وحيدا دون مدافع مما يسهل الانقضاض عليه. باب المغاربة لم يترك الكيان الصهيوني فرصة للتدخل بشئون الأقصي ومحيطه, وذلك تمهيدا للسيطرة عليه, ففي2011/010/25, أصدرت بلدية الاحتلال في القدس قرارا يقضي بهدم جسر باب المغاربة بحجة أن الجسر هو مبني آيل للسقوط أو الاحتراق في أي لحظة, مما يوجب هدمه خلال مدة أقصاها ثلاثون يوما. انعكس هذا القرار علي الوضع الأمني في القدس حيث استنفر المقدسيون للدفاع عن جسر باب المغاربة, كما هبت الجماهير العربية والإسلامية في مصر والأردن وأندونيسيا دفاعا عن الأقصي, فيما استنكرت جامعة الدول العربية في2011/11/15 هذا القرار. ولعل التفاعل الجماهيري الواسع في ظل زمن الثورات العربية, بالإضافة إلي الخوف من اندلاع انتفاضة ثالثة, من أهم الأسباب التي دفعت رئيس حكومة الاحتلال إلي اتخاذ قرار بوقف هدم الجسر في اللحظات الأخيرة. وعادت بلدية الاحتلال لتأمر بإغلاق جسر باب المغاربة في12/8 معتبرة أنه يشكل خطرا علي السلامة العامة, وهددت الجمعيات اليهودية المتطرفة باستخدام باب آخر من أبواب المسجد كبديل عن باب المغاربة لاقتحام المسجد, فأعادت قوات الاحتلال فتح باب المغاربة في12/14/ وأدخلت عشرات المستوطنين منه للمسجد الأقصي. و كشفت مؤسسة الأقصي للوقف والتراث في تقرير لها في2012/7/26 موثق بالصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو أن الاحتلال الإسرائيلي يقوم باستكمال هدم طريق باب المغاربة بالمعاول والفئوس, كما أوضحت المؤسسة أن الاحتلال يريد أن يجعل من أسفل طريق باب المغاربة مدخلا ومعبرا جديدا ورئيسيا لشبكة الأنفاق التي يحفرها أسفل طريق باب المغاربة, ويخترق من خلالها المسجد الأقصي. استمر مسلسل النهب الإسرائيل أسفل المسجد الأقصي من خلال الحفريات التي أدت إلي تكشف أساسات المسجد الأقصي في غير موقع, فقد أشارت صحيفة اسرائيل هيوم العبرية في تقرير لها في2011/9/2 إلي أنه تم استكمال حفر نفق طوله600 متر يبدأ من منطقة عين سلوان ويصل إلي طرف المسجد الأقصي عند أقصي الزاوية الجنوبية الغربية, كما افتتحت سلطات الاحتلال الصهيوني في2011/9/12, نفقا يمتد من حي وادي حلوة ببلدة سلوان الي المسجد الأقصي المبارك, بطول200 متر. وذكرت مؤسسة الأقصي أن الاحتلال ربط هذا النفق مع أحد أنفاق سلوان,الذي افتتح قبل أشهر معدودة, وهو النفق الذي يصل طوله الي نحو500 متر, والممتد غربي مسجد عين سلوان,ويمر أسفل الطريق الرئيسي لبلدة سلوان وبيوتها باتجاه,ليصل الطول الإجمالي لنفق سلوان المسجد الأقصي بقسميه الي نحو700 متر, ممايدلل علي أن هذا النفق هو النفق الأطول الذي يحفره الاحتلال منذ عام1967, وهو كذلك الأسرع تنفيذا حيث تم إنجاز حفره في سنوات معدودة. وذكرت مؤسسة الأقصي للوقف والتراث أن الاحتلال بدأ منذ يوم2012/6/13 بتنفيذ أعمال حفر وتجريف في أقصي الجهة الجنوبية الغربية لساحة البراق, من الجهة الجنوبية للمسجد مؤكدة أن الحفريات الإسرائيلية أسفل المسجد مازالت علي الوتيرة ذاتها بل ربما ارتفعت في ظل الهجمة الشرسة علي الأقصي ومحيطه وهو مايصعب كشفه علي وجه التحديد في ظل تكتم المؤسسات الإسرائيلية علي عمليات الحفر. الأطماع الاسرائيلية لاتخفي الأطماع الإسرائيلية في مدينة القدس عموما والمسجد الأقصي خصوصا, فهي تمثل إحدي أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحتلالي وحمله في تقسيم المسجد الأقصي وصولا إلي السيطرة الكاملة عليه. ومن هذا المنطلق, وأمام حالة الارتباك والقلق التي تعيشها دولة الاحتلال مما ستؤول إليه الثورات العربية, يحاول الاحتلال إسراع الخطي في تهويد المسجد الأقصي من خلال سياسة تهويد محيط المسجد واستمرار الاقتحامات التي تزداد وتيرتها, ورفع سقف الموقف السياسي المطالب بتقسيم الأقصي مع محاولة تقنين التقسيم,مع سعي متواصل لتسويق الأحقية التاريخية والدينية اليهودية لدي المجتمع الدولي, كما تسعي إسرائيل مع حلفائها لإذكاء الخلافات والاضطرابات في واقع الثورات العربية لتحقيق مزيد من الاضطراب وعدم الاستقرار في المنطقة. وقد سخرت دولة الاحتلال القوانين المزيفة لتسريع سيطرتها علي المسجد الأقصي وشكلت غطاء داعما للجمعيات الدينية المتطرفة وطورت من موقفها السياسي, كما كان واضحا تطور التكامل بين مؤسسات دولة الاحتلال الرسمية والجمعيات الاستيطانية والدينية اليهودية. الموقف العربي خلال الفترة التي يغطيها التقرير لم يطرأ أي تغيير علي مواقف الدول العربية والإسلامية علي المستوي الرسمي باستثناء ارتفاع سقف الموقف الأردني وعقد مؤتمر القدس الدولي في الدوحة في فبراير2012, وإن لم تنتج عنه أي خطوة حقيقية لنصرة القدس. أما علي المستوي الشعبي, فقد بقي المشهد علي حالة في ظل انشغال الشعوب العربية والإسلامية بأوضاعها الداخلية غير أن التحركات التي شهدتها مصر والأردن علي وجه الخصوص لرفض قرار الاحتلال بهدم جسر باب المغاربة في شهر أكتوبر2011 شكلت مؤشرا إيجابيا لما يمكن أن تلعبه الشعوب العربية من دور لعرقلة مخططات الاحتلال. ويؤكد التقرير إنه من خلال المتابعة الدقيقة للأحداث في القدس ثبت أن الاحتلال لايمكن أن يرتدع عن مخططاته التهويدية إلا إذا شعر بأن هناك ثمنا مكلفا سيدفعه وضغطا غير محتمل سيقع عليه إذا ما فكر في الاعتداء علي المسجد الأقصي وأهلنا في القدس. ويشير التقرير الي أنه لن يكون من السهل علي الولاياتالمتحدة أن توفر غطاء دوليا لإسرائيل في مساعيها لتهويد الأقصي وتقسيمه متجاوزة القرارات الدولية في الملف والتحولات الاستراتيجية في المنطقة, في ظل السلوك الإسرائيلي في الاستيطان وهدم البيوت والتهجير والجدار, والبربرية الصارخة للمستوطنين والمتطرفين في الاعتداء علي المقدسيين وتدنيس المسجد الأقصي. لكن في المقابل فإن الولاياتالمتحدة وحلفاءها لن يتخلوا بحال عن إسرائيل وسيتم توظيف الإمكانات السياسية والإعلامية والاقتصادية والدعم العسكري لتوجيه الأحداث لصالح دولة الاحتلال. ويوصي التقرير باتخاذ موقف سياسي عربي وإسلامي جامع يمنع إسرائيل من المضي في هذه الخطوة بدلا من انتظار القرار الإسرائيلي فيكون الموقف العربي والإسلامي مجرد رد فعل يفقد الكثير من تأثيره, وتفعيل دور الشارعين العربي والإسلامي في الأخذ بزمام المبادرة في نصرة المسجد الأقصي المبارك بشكل منظم, من خلال تكثيف الفعاليات والبرامج التي تظهر إصرار الشعوب علي حماية الأقصي. كما يدعو التقرير الي مطالبة الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بحمل القضية الي الأممالمتحدة ومجلس الأمن, والمطالبة بتشكيل لجنة تقصي حقائق ترصد وتوثق انتهاكات الاحتلال لحرمة المسجد الأقصي المبارك وجرائمه تجاه القدس والمقدسيين, والتي تشكل انتهاكا سافرا للقانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة.