يعد الاستيطان في الضفة الغربية سياسة استعمارية مركزية ثابتة, تسعي اسرائيل من خلالها إلي تحقيق ما لم تحققه من نكبة عام1948 من الاستيلاء علي أكبر مساحة من الأرض مع أقل عدد من السكان العرب. وكشفت دراسة سياسة الاستيطان الجديدة في الضفة الغربية الصادرة عن المركز العربي للدراسات أن عدد المستوطنات في الضفة الغربيةالمحتلة بلغ نحو144 مستوطنة رسمية, منها ست عشرة في مدينة القدس, إضافة إلي أكثر من مائة بؤرة استيطانية غير رسمية منتشرة في مختلف أنحاء الضفة الغربية وفي قلب الأحياء العربية في القدس, ليبلغ عدد المستوطنين في منتصف عام2012 أكثر من550 ألف نسمة, منهم200 ألف نسمة في القدسالشرقية التي ضمتها إسرائيل في عام1967. وأوضحت الدراسة انه منذ تسلم بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية في مارس2009, وقد ضمت أحزابا من أقصي اليمين الإسرائيلي المتطرف جعلها حكومة مستوطنين بكل ما تعنيه التسمية من معني, حيث ازدادت وتيرة الاستيطان علي نحو غير مسبوق حتي أصبح بالامكان وصف الأمر بأنه استقراض للشعب الفلسطيني وأراضيه. واستغلت الحكومة الإسرائيلية انشغال العالم بتداعيات الربيع العربي, وعجز القيادات الفلسطينية عن اتخاذ أي خطوة نضالية ممكنة لتحقيق تلك الجريمة المتكاملة الأركان. تحاول هذه الدراسة متابعة الموجة الاستيطانية الأخيرة التي تشجعها حكومة الاحتلال الإسرائيلي منذ عامين في الضفة الغربيةالمحتلة والتي قدتغير المشهد الجغرافي وتحشر الفلسطينيين في كانتونات ومعازل تدفع المنطقة إلي الانفجار. الضفة الغربية شهد عام2011 ارتفاعا في بناء الوحدات السكنية في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بنسبة20% منذ عام2010, حيث شرعت اسرائيل في بناء1850 وحدة سكنية علي الأقل في عام2011 في مستوطنات في الضفة الغربية, ليصبح مجموع ما انطلق بناؤه في عامي20112010 أكثر من3500 وحدة سكنية. ويتم بناء الوحدات السكنية الاستيطانية في أنحاء الضفة الغربية المختلفة, ويشمل ذلك الكتل الاستيطانية الرئيسية التي هي في حالة توسع, وتمدد دائمين, كما يجري بناء مكثف في الأراضي الواقعة غرب جدار الفصل والتي يجري ضمها عمليا إلي إسرائيل حيث تزيد مساحتها علي9% من مساحة الضفة الغربية وكذلك المستوطنات المنعزلة شرق الجدار الفاصل والتي حصلت علي نسبة35% من مجموع عدد الوحدات السكنية الاستيطانية في عام2011 والبؤر الاستيطانية غير الشرعية في القانون الإسرائيلي والمنتشرة في أنحاء الضفة الغربية المختلفة. وقد شهد النصف الأول من عام2012 زيادة كبيرة في خطط البناء الاستيطاني, فقد قررت الحكومة الإسرائيلية في22 فبراير2012 إقامة695 وحدة سكنية في المستوطنات في الضفة الغربية وخاصة في البؤر الاستيطانية غير القانونية. وفي بداية يونيو2012, شرعت في بناء851 وحدة سكنية في المستوطنات الإسرائيلية القائمة في الضفة المحتلة, وفي بداية أبريل2012, وضعت وزارة الإسكان الإسرائيلية خطة لبناء800 وحدة سكنية في مستوطنة جفعات زئيف شمال غربي مدينة القدس, لوصلها مع المستوطنات الإسرائيلية القائمة في شمالي القدسالشرقيةالمحتلة. كذلك وضعت وزارة الإسكان الإسرائيلية خطة أخري لبناء942 وحدة سكنية جديدة لتوسيع مستوطنة غيلو التي يقع مركزها داخل حدود القدس, لتتمدد أيضا في أراضي الضفة المحتلة. وسوف يتم بناء كل هذه الوحدات السكنية في الأراضي الموجودة خارج حدود القدسالشرقية التي ضمتها إسرائيل في عام1967. تسعي هذه الموجة من التمدد الاستيطاني والتي هي جزء من استراتيجية إسرائيلية شاملة تجاه الضفة الغربية إلي حشر الفلسطينيين في حدود مدنهم وقراهم فيما يطلق عليه منطقتي أ و ب بحسب اتفاقية أوسلو, وسلخ أكثر من60% من أراضي الضفة الغربية عنهم وهي المشمولة في المنطقة ج. وهناك مؤشرات مقلقة للغاية تؤكد سعي إسرائيل للتعامل مع الضفة الفلسطينية بشكل عام والمنطقة ج بشكل خاص ليس كمنطقة تحت احتلال, وإنما منطقة إسرائيلية بحكم الأمر الواقع والدليل علي ذلك ملكية أكثر من900 ألف دونم في الضفة الغربية إلي أراضي دولة تابعة ل الإدارة المدنية الإسرائيلية, كاحتياط استراتيجي للاستيطان الإسرائيلي والإعلان عن مناطق واسعة جدا في الضفة الغربية كمناطق تابعة لمؤسسات الحكم الإسرائيلي, مثل: المحميات الطبيعية والأماكن الأثرية والقواعد العسكرية ومواصلة التضييق علي الفلسطينيين الذين يسكنون في المنطقة ج والذين يقل عددهم عن150 ألف نسمة, والسعي للتقليل من عددهم في هذه المناطق, والعمل الدءوب علي طردهم. وقد كان آخر مظاهر هذه السياسة قرار وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بهدم ثماني قري فلسطينية, وقرار سلطات الاحتلال بهدم52 بيتا في قرية سوسيا الفلسطينية. ومن مظاهر ذلك ايضا سعي الحكومة الإسرائيلية إلي شرعنة البؤر الاستيطانية بتشكيلها لجنة فحص البناء في يهودا والسامرة, بغرض ترخيص عملية الاستيطان في الضفة الغربية وتسهيلها. الضغوط الدولية نتيجة للضغط الذي مارسته الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي علي إسرائيل في أواسط تسعينيات القرن الماضي بشأن الاستيطان, التزمت إسرائيل بالتوقف عن إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية الا أن الحكومة الإسرائيلية, وفي سياق سعيها للاستيلاء علي الأراضي الفلسطينية وتهويد أكبر مساحة منها, استمرت منذ عام1996 في إقامة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بشكل غير رسمي, ووصل عددها إلي أكثر من105 بؤر, فيما سمي ب بؤر استيطانية غير قانونية. وفي أعقاب الانتقاد الأمريكي والدولي لإسرائيل بشأن استمرارها في إقامة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية, كلف رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أرييل شارون في عام2005 المحامية طاليا ساسون بدراسة الوضع القانوني للمستوطنات غيرالشرعية وقد قدمت ساسون في العام نفسه تقريرا مفصلا أكدت فيه أن الحكومات الإسرائيلية وأذرعها المختلفة هي التي بادرت بطريقة غير رسمية إلي إقامة البؤر الاستيطانية, وزن أكثر من80% منها أقيمت علي أراض فلسطينية خاصة, فهي أداة غير قانونية. وفي سياق سعي الحكومة إلي الحفاظ علي البؤر الاستيطانية وتوسيعها وشرعنتها, شكل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في13 فبراير2012 لجنة تحت اسم فحص وضع البناء في يهودا والسامرة برئاسة القاضي السابق في المحكمة العليا الإسرائيلية والعضو السابق في حزب حيروت اليميني المتطرف, إدموند ليفي, المعروف بآرائه المتطرفة والداعمة بشدة للاستيطان, وضمت في عضويتها قاضية سابقة ودبلوماسيا سابقا ينافسان ليفي في تطرفهما, وفي21 يونيو2012 قدمت لجنة ليفي تقريرها الذي جاء في تسعين صفحة إلي رئيس الحكومة ووزير العدل يعقوب نئمان. اتسم تقرير لجنة ليفي بالسطحية والمغالطات التاريخية والقانونية ولي عنق الحقيقة, وتوصل إلي استنتاج أساسي وهو أن القانون الدولي بشأن الاحتلال لا ينطبق علي الاحتلال الاسرائيلي القائم ففي الضفة الغربية منذ عام1967, لأنها ليست منطقة محتلة وهو ما يعني أن اتفاقية جنيف الرابعة لا تنطبق عليها ولا تحظر إنشاء المستوطنات فيها. لقد تعاملت لجنة ليفي مع أراضي الضفة الغربية وكأنها جزء من إسرائيل عمليا, ولكن من دون أن يكون لأصحابها الفسلطينيين حقوق المواطنة الإسرائيلية, ودعت في توصياتها إلي وقف إخلاء البؤر الاستيطانية, وعدم هدم أي وحدة سكنية فيها وإلي شرعنتها واعتبارها قانونية, ودفع تعويضات مالية لأصحاب الأرض الفسلطينيين كخيار وحيد من دون استشارة السكان, ثم دعت أيضا إلي تغيير الوضع القانوني في الضفة الغربية وإلي إلغاء القوانين والمراسيم والأوامر العسكرية الإسرائيلية السارية فيها والمستندة إلي كون إسرائيل دولة احتلال وأوصت بالسماح بإقامة مستوطنات علي أراض فلسطينية مصادرة. ودعت إلي إصدار مراسيم ترسم مناطق نفوذ لجميع المستوطنات, وتوسيع مناطق النفوذ هذه في لجان التخطيط وفق ما تقتضيه متطلبات الاستيطان من دون الحصول علي موافقة حكومية. وأخيرا, نصحت اللجنة بتسجيل جميع الأراضي في الضفة الغربية في سجل الإدارة المدنية الإسرائيلية خلال فترة أقصاها خمس سنوات, والأرض التي لا يجري تسجيلها خلال هذه الفترة كملكية خاصة للفلسطينيين فإنها تصبح أرض دولة أي تابعة لإسرائيل. تهويد القدسالشرقية كثفت إسرائيل في السنوات الأخيرة من عمليات الاستيطان في مناطق مختلفة في القدسالشرقيةالمحتلة, وشملت زيادة الاستيطان في المستوطنات الإسرائيلية الست عشرة القائمة وإقامة المزيد من البؤر الاستيطانية في داخل الأحياء العربية المختلفة, بحيث لم يخل أي حي عربي هناك منها والتخطيط والعمل علي إقامة مستوطنات يهودية جديدة في أماكن استراتيجية تهدف إلي اكمال اطباق الحصار الاستيطاني الكامل عليها. وكشف تقرير نشرته صحيفة هآرتس النقاب عن وجود مخططات في مجلس بلدية القدسالغربية لبناء50 ألف وحدة سكنية يهودية استيطانية في القدسالشرقية, وأشار التقرير إلي أن هذه المخططات تهدف إلي زيادة عدد الوحدات السكنية في المستوطنات الإسرائيلية القائمة, وإنشاء بؤر استيطانية يهودية في داخل الأحياء العربية, وإقامة العديد من المستوطنات الجديدة. وأشار التقرير إلي أن هناك مخططات لإنشاء عشرين ألف وحدة سكنية من بين الخمسين ألف وحدة قدمت إلي لجان التخطيط, وأقرت لجان التخطيط قسما منها بشكل نهائي, وأصبح قسم آخر منها في مراحل الإقرار النهائية.