عندما صدر قرار التقسيم(181 لعام1947) والذي نص علي دولتين علي أرض فلسطين يهودية عبرية وأخري عربية, كانت المنظمات اليهودية قد أرست قواعد وأسس الدولة, فالجماعات اليهودية المسلحة. كانت تشكل نواة جيش محترف,والوكالة اليهودية كانت تقوم بدور وزارة الخارجية, والبني الاقتصادية كانت قائمة, بل أن البنية العلمية كانت موجودة وقائمة من قبل كالجامعة العبرية التي جري افتتاحها في القدس في25 أبريل1925 في المقابل لم تكن هناك بنية أساسية للدولة الفلسطينية, بل لم تكن هناك قيادة موحدة ولا موقف مشترك, كانت هناك بني تقليدية وقيادات منقسمة بشدة بين رفض قرار التقسيم كليا والتمسك بفلسطين من البحر إلي النهر( الحاج أمين الحسيني وجماعته) وبين تيار ينسق مع إمارة شرق الأردن ويقبل بضم القسم المخصص للدولة العربية إلي إمارة شرق الأردن ومن ثم كان ينسق الخطوات مع حاكم شرق الأردن في ذلك الوقت الملك عبد الله. باختصار استعدت المنظمات اليهودية لإقامة الدولة منذ عشرينيات القرن الماضي, وعملت بقوة علي استكمال بناء هذه المؤسسات, بحيث انه مع صدور قرار التقسيم, وانتهاء الانتداب البريطاني علي فلسطين, كان رفع العلم الذي جري اختياره للدولة الوليدة كافيا لعمل مؤسسات الدولة. في المقابل فإن رفض قرار التقسم من جانب المجموعات الفلسطينية الفاعلة, والدول العربية المعنية( مصر والسعودية, سوريا ولبنان والعراق) أدي إلي خوض حرب انتهت بضم إسرائسيل لنصف المساحة التي كانت مخصصة للدولة الفلسطينية في قرار التقسيم, فصارت إسرائيل علي مساحة نحو78% من أرض فلسطين, وتقلصت المساحة الباقية للفلسطينيين إلي ما لا يزيد علي22% في حين أن قرار التقسم كان يمنحها43% من مساحة فلسطين الكلية. وقد احتلت إسرائيل هذه المساحة الضفة الغربية وقطاع غزة في عدوان يوينو1967 وطوال الفترة من1967 وحتي توقيع اتفاق أوسلو(13 سبتمبر1993) لم تتشكل مؤسسات للدولة الفلسطينية, كانت أراض محتلة من قبل إسرائيل في ظل رؤية إسرائيلية بأن غاية ما يمكن أن تصل إليه أي علمية تسوية سياسية هو حكم ذاتي للبشر دون الأرض, ومن ثم لن تتشكل بنية دولة, بل مؤسسات حكم محلي إداري. وعندما جاء اتفاق أوسلو لم يتغير الوضع كثيرا, فحركة فتح التي كانت تمثل حركة ثورية ضمن إطار منظمة الحرير الفلسطينية, انتقلت بشكل مفاجئ من حالة الثورة إلي حالة السلطة دون أن تمر بمرحلة بناء مؤسسات الدولة, وأضافت شخصية الراحل ياسر عرفات بكل ما تمتع به من سمات' كارزمية' مزيدا من الإعاقة لعملية بناء مؤسسات الدولة, فعرفات قاوم تشكيل مؤسسات فاعلة للدولة الفلسطينية, وأعاق عملية بناء المؤسسات لاعتبارات تتعلق برغبته في إدارة منفردة لشئون السلطة الوطنية وتحديدا بشقيها الأمني والمالي, وعندما فرض عليه تعيين رئيس للوزراء نجح في تقزيم دوره( ودفع محمود عباس إلي الاستقالة). ومع رحيل عرفات بدأت مرحلة جديدة, فكاريزما عرفات لم تتوافر لمحمود عباس, والأخير كان أكثر قبولا بفكرة المؤسسية, ومن ثم جاء قراره باختيار الدكتور سلام فياض لرئاسة الحكومة مؤشرا علي الرغبة في تقاسم السلطة وإتاحة الفرصة لبناء مؤسسات الدولة. ومنذ تسلمه مقاليد رئاسة الحكومة شرع د. سلام فياض في تبني خطة طموحة تتمثل في تدشين بنية الدولة الفلسطينية علي الأرض, بدأ بالشق المالي, وبمساعدة دول الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة انتقل إلي الشق الأمني. وعلي مدار الفترة الماضية نجح سلام فياض في وضع أسس بنية الدولة الفلسطينية وحظي بثقة ومن ثم دعم ومساندة الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي, ولم يربط مسيرة عملية بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية بمآل المفاوضات مع إسرائيل, بل إنه لم يركز كثيرا علي مسألة مفاوضات التسوية السياسية مع إسرائيل, وبدا وكأنه غير معني بها في حين أنه رفض رهن عملية بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية بمفاوضات متعثرة أسيرة مراوغات حكومة يمينية متطرفة, ركز علي تدشين مؤسسات الدولة الفلسطينية ومن ثم توجد بنية الدولة علي الأرض, ويبقي إعلان الدولة مجرد قرار سياسي سوف يأتي إن آجلا أو عاجلا, لم يكن في عجلة من أمره لإعلان دولة' عاجزة' أو علي الورق, بقدر ما كان مهموما بامتلاك مؤسسات الدولة علي الأرض. وبمرور الوقت نال مزيدا من ثقة الأوروبيين, ثم ثقة إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما, وقد شبهه البعض بأنه' بن جوريون الفلسطيني' فبن جوريون اليهودي دشن أسس الدولة العبرية وعندما انتهي الانتداب في الخامس عشر من يناير رفع العلم علي مؤسسات الدولة التي كانت قائمة بالفعل, فسارت الأمور علي نحو طبيعي, والآن وبعد أكثر من ستة عقود علي قرار التقسيم تتم عملية بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية علي الأرض, وبعد ذلك يكون إعلان الدولة مجرد قرار وتحصيل حاصل, لذلك كان الدكتور سلام فياض واضحا عندما أكد أن الدولة الفلسطينية يمكن أن تعلن من جانب واحد في أغسطس من العام القادم, فهو يدرك أن مؤسسات الدولة عندها سوف تكون قد اكتملت في أغلبها من ناحية, ومن ناحية ثانية ستكون المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قد وصلت إلي مرحلة متقدمة علي طريق إعلان الدولة, أو أن يكون التوجه إلي مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار جديد بإعلان الدولة المستقلة في حال استمرار مماطلة الحكومة الإسرائيلية, ويبدو واضحا أن ثمة تفاهم بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي, وصل محتواه إلي الفلسطينيين, ومؤداه أنه ما لم تصل علمية المفاوضات إلي نتيجة واضحة في غضون العام ونصف العام, فإن واشنطن ستعطي للدول الأوروبية الضوء المناسب للتوجه إل مجلس الأمن, وأن تلقف توجها فلسطينيا أو عربيا إلي مجلس الأمن والعمل علي تمرير القرار في المجلس فتكون المفاوضات عندها بين دولتين إحداهما تحتل معظم أراضي الأخري, ولم تعد دولة الاحتلال تتمتع بحماية الفيتو الأمريكي بعد. مع رحيل عرفات بدأت مرحلة جديدة, فكاريزما عرفات لم تتوافر لمحمود عباس, والأخير كان أكثر قبولا بفكرة المؤسسية, ومن ثم جاء قراره باختيار الدكتور سلام فياض لرئاسة الحكومة يبقي إعلان الدولة مجرد قرار سياسي سوف يأتي إن آجلا أو عاجلا, لم يكن في عجلة من أمره لإعلان دولة' عاجزة' أو علي الورق,