طالعتنا الصحف بأخبار عن تلوث مياه قرية صنصفط بالمنوفية وتسمم عدد كبير من مواطني القرية, وقرأنا عن تبادل الاتهامات بين جهات مختلفة( جهة حكومية منوط بها توصيل المياه النظيفة للمواطنين, وجهة أخري خيرية قامت بتوفير محطة آبار من تبرع أهالي القرية القادرين), وشاهدنا اتهام مواطني القرية للمحطة الأولي ودفاعهم عن الثانية, ورأينا مظاهرات تنادي بكوب مياه نظيف. من واقع تخصصي في هندسة المياه وهندسة الصرف الصحي, ومن خلال عملي كخبير في هذا المجال بمصر وخارجها, أود أن أدلي برأيي في هذا الموضوع, واعذروني أن بدت بعض الحقائق صادمة, فإنكار الحقائق لن يغيرها وانما يفاقمها ثم ينتهي الأمر بأن تنفجر في وجوه من حاولوا دفنها. بداية أود أن أعطي القارئ العزيز مقدمة مبسطة تساعده علي تفهم حجم المشكلة, ثم أود تقديم بعض الحلول التي أرجو إن تم الأخذ بها أن تساعد علي حل تلك المشكلة الصعبة وليست المستحيلة, وابدأ بمجموعة من النقاط والحقائق الأساسية: * تلوث المياه هو أحد عناصر التلوث البيئي الذي يشمل: تلوث الجو, التلوث الناتج عن سوء تجميع ومعالجة المخلفات الصلبة( القمامة), تلوث المجاري المائية ومياه الري( سواء بإلقاء مخلفات الصرف الصحي غير المعالجة أو الصرف الصناعي غير المعالج أو الصرف الزراعي), وأخيرا التلوث نتيجة عدم وجود نظام صرف صحي متكامل, والمحصلة النهائية لهذا التلوث هي فاتورة باهظة التكاليف تتحملها الدولة والمواطن وأبرز تجلياتها الصحة المتدهورة والأمراض المستوطنة وما تستدعيه من مصاريف العلاج وقلة انتاجية المواطن وانخفاض مستوي الأعمار وحياة تعيسة. ويحضرني هنا سؤال: أليس الأجدر قبل أن نهتم ببناء مستشفيات للسرطانات وحملة مثل اتبرع ولو بجنيه أن نهتم بالوقاية التي هي خير من ألف علاج؟ والوقاية هنا تعني بيئة نظيفة وآمنة. * لكي يصل للمواطن كوب مياه نظيف من صنبور منزله, فلابد من توافر منظومة متكاملة تبدأ بمصدر نقي للمياه, تليه محطة تنقية تقوم حقا بدورها في تنقية المياه, ثم يجب أن تمر المياه بأمان داخل مجموعة من الشبكات والخزانات حتي تصل آمنة الي المنزل. * مصادر المياه في مصر هي نهر النيل وروافده, ثم المياه الجوفية فمياه البحر, والأخيرة لا يتم استعمالها إلا في أضيق الحدود وفي بعض المدن الساحلية السياحية. للحصول علي المياه من نهر النيل يتم انشاء المحطات السطحية أو المدمجة, أما المياه الجوفية فيتم ضخها من باطن الأرض بواسطة محطات الآبار. تكون مياه النيل عالية النقاوة في أعلي المصب بأسوان وتظل علي درجة معقولة من النقاوة حتي تصل الي القاهرة, حيث يزيد التلوث الصناعي والصحي ويؤثر علي نقاوة مياه النيل, أما المياه الجوفية فتكون عادة ملوثة بدرجة عالية بأملاح الحديد والمنجنيز واذا حدث ولم يكن يوجد نظام صرف صحي بالقرية سوي الترنشات فتتلوث المياه الجوفية أيضا بمياه الصرف الصحي, وفي الواقع فإن معظم قري مصر تعوم علي مياه الصرف الصحي وهو وضع خطير يؤثر علي صحة المواطنين وأساسات المباني أيضا. فيما عدا المدن الكبري وعواصم المحافظات وبعض المراكز, تعاني مصر أزمة صرف صحي مستعصية, حيث لا توجد منظومة صرف صحي سوي لأقل من12% من قري مصر مما يسهل اختلاط مياه الشرب بالمجاري نتيجة تشرب التربة بها, ولأهمية هذا الموضوع كان أحد مكونات البرنامج الانتخابي للرئيس المصري السابق في2005, هو رفع مستوي خدمة الصرف الصحي في القري المصرية ليصل الي40% من قري مصر, وذلك من خلال برنامج قدرت تكلفته وقتها بنحو20 بليون جنيه ويهدف لتوصيل الخدمة لأكثر من ألف قرية, هذا البرنامج بدأت بعض خطواته في2007 ولكنه لم ير النور حتي تاريخه باستثناء قري محدودة العدد. * من هنا يمكننا أن نستنتج أن معوقات وصول مياه نظيفة للمواطن تكمن في ثلاثة محاور رئيسية: 1 معوقات في مصدر المياه اذا كانت ملوثة إما بمياه الصرف الصحي أو الصناعي أو الزراعي أو كلها, علما بأن خطورة التلوث الصناعي علي مياه الشرب هي اضعاف خطورة التلوث بمياه الصرف الصحي. 2 معوقات في محطة المياه, فالتصميم السيئ للمحطة أو الانشاء الردئ أو كلاهما تنتج عنه مشاكل تحد من قدرة المحطة علي انتاج نوعية جيدة من المياه, كما أن الادارة السيئة للمحطة سواء نتيجة جهل أو قلة خبرة أو اهمال أو نتيجة عدم توافر المستلزمات الرئيسية من كيماويات للمعالجة أو قطع الغيار ينتج عنها نوعية رديئة في المياه. 3 معوقات في الشبكة, اذا خرجت المياه بحالة جيدة ومطابقة للمواصفات من محطة التنقية فلايزال هناك امكانية لتلوثها في رحلتها الي المواطن من خلال الشبكات والخزانات, والعامل الحاسم في القري التي لا يوجد بها صرف صحي هو تلوث شبكات المياه من خلال التربة المشبعة بمياه الصرف الصحي( في بعض الأحيان نتيجة تقارب مواسير المياه من مواسير الصرف مخالفة للمواصفات التي تنص علي وجود مسافة أفقية ورأسية).