كان الليل قد أسدل ستائره علي الدنيا وحل الهدوء علي المنطقة التي كانت قبل سويعات قليلة تعج بالبشر.. حيث أغلقت المحال أبوابها واختفي المارة من الشوارع.. إلا ما ندر.. وهم من أبناء الحي الذين يقضون بعض حاجياتهم وفي أحد البيوت القديمة همت نبوية من مضجعها بعد أن استبد بها القلق علي ضناها وقد خرجت علي شقيقاته اللاتي كن يجلسن حول التلفاز يتابعن بشغف مشاهد النهاية لأحد المسلسلات العربية التي اكتظت بها الفضائيات أنا قلقانة أوي علي أخوكم.. ده اتأخر قوي ترد إحدي البنات دلوقتي ييجي يا أمي متقلقيش.. طب مفيش واحدة فيكو تطل عليه كده يمكن تلمحه جاي من أول الشارع ولا حاجة.. تضجع نبوية علي أريكة موجودة أسفل شباك الحجرة وتنظر إلي التلفاز غير أن قلبها وعقلها مازالا يفكران في الغائب فجأة يقطع سكون الليل طلقات رصاص تخرج من سلاح أحد البلطجية الذي بدأ صوته الأجش يزلزل جنبات المكان مهددا ومتوعدا كل من تسول له نفسه الاقتراب منه.. تهب نبوية معتدلة تفتح شباك الغرفة متلهفة أنا قولتلكو قلبي مش مطمن إحدي البنات يا ماما انتي عارفة هو جديد عليك ده البلطجي وكل يوم بيعمل الشويتين دول بتوعه نبوية لأ النهارده مش زي كل يوم ترقب نبوية بعض شباب المنطقة ينسلون من كل صوب وحدب وقد عقدوا العزم علي مواجهة سطوة ذلك البلطجي الذي زاد عن حده وتتعالي الأصوات مع دوي طلقات الرصاص وتنطلق صرخات النساء وصيحات الرجال الحقوا ده في واحد جاتلو رصاصة نبوية ابني.. ابني.. إحدي البنات متخافيش يا ماما هو إيه اللي هيجيب أحمد في الخناقة بس.. يصرخ أحد الشباب وهو ينظر إلي شباك شقة أم أحمد الحقي يا خالتي ده أحمد اتعور تهرول نبوية وتسابقها بناتها علي سلم المنزل في طريقهن إلي الشارع حتي وصلن إلي أحمد فوجدنه ملقي أرضا وسط بركة من الدماء وقد استقرت إحدي الطلقات في فخذه ولا يستطيع الحراك.. لتسقط الأم مغشيا عليها وتنقسم البنات بين شقيقهن ووالدتهن في حين تجمع الشباب حول المصاب في محاولة لإسعافه بينما أحاطت النسوة من الجيران بأم أحمد لمحاولة إفاقتها.. حتي حضرت سيارة الاسعاف وتم نقل أحمد إلي مستشفي الهلال الأحمر.. ومن هنا بدأت رحلة المتاعب كما يقول أحمد كمال عبد العال24 سنة حاصل علي دبلوم صنايع ويضيف: مع وصولي للمستشفي بدأ الأطباء في اسعافي ومحاولة السيطرة علي النزيف المستمر لإنقاذ حياتي ولكنهم فشلوا في إخراج الرصاصة من فخذي فقاموا بتحويلي لمستشفي قصر العيني وبعد إجراء الاشعة اللازمة به قرر الاطباء تحويلي لمستشفي معهد ناصر بعد أن ابلغوني بأنني احتاج إلي تدخل جراحي ومثل هذه العمليات الدقيقة تحتاج إلي جهاز خاص متقدم جدا لا يوجد بقصر العيني.. فذهبت إلي مستشفي دار الشفاء ولم أجد جديدا فقد سمعت الكلام نفسه.. فقررت أسرتي أن تذهب بي لمستشفي قصر العيني الفرنساوي فهو كما نسمع والكلام لأحمد كمال عبد العال أكبر مستشفي في مصر إلا اننا فوجئنا بأن هذا الجهاز غير موجود بالمستشفي ولا في مصر كلها وابلغني أطباء الفرنساوي ان علاجي في ألمانيا لان اجراء الجراحة هنا في مصر فيه خطر علي حياتي.. سألناه ما تشرح لنا الحالة بالضبط فقال: الرصاصة التي أصابتني استقرت في مكان حساس جدا هو شبكة الوتر الرئيسي المغذي للقلب وأي تدخل جراحي بغير هذا الجهاز الدقيق قد يؤدي لحدوث قطع في الوتر ومن ثم الوفاة وكيف تعيش الآن؟! قال هذه الاصابة تمت منذ20 يوما وكل يوم يمر فيه خطر كبير علي حياتي.. واحتاج وبسرعة إلي طبيب أوعية دموية ليتابع حالتي حتي أظل علي قيد الحياة إلي أن يتم استخراج قرار علاج علي نفقة الدولة أو أن يقرر السيد وزير الصحة بسفري لألمانيا لإجراء الجراحة اللازمة وتقول الأم نبوية متولي السيد التي اصطحبت ابنها المصاب ل الأهرام المسائي أحمد هو اللي باقي لي في الدنيا بعد ما فقدت شقيقه محمد والذي توفي بعد اجرائه جراحة خاطئة علي يد طبيب بأحد المستشفيات.. وتضيف نحن أسرة فقيرة لا نستطيع ان نتحمل مصاريف علاج أحمد خاصة وأن والده كفيف ومصاب بعدة أمراض ويرقد في المنزل طريح الفراش ولا يستطيع العمل.. وأنا صحتي علي قدي ولا نملك من حطام الدنيا سوي الشقة التي نقيم فيها بعطفة محمد صالح من شارع القنطرة بالأزبكية.. وتضيف ابني مالوش ذنب في حاجة ده كان راجع من شغله تعبان فأصابته طلقة من سلاح واحد بلطجي.. وله حق علي الدولة.. اشمعني مصابي الثورة اتعالجوا وخدوا تعويضات.. أنا ابني كمان من مصابي البلطجة ولازم يتعالج علي نفقة الدولة ومش عايزين تعويض وأناشد اللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية فتح ملف التحقيق في الواقعة حتي ينال الجاني القصاص العادل. علاء عبد العزيز E.M:[email protected] للمراسلة: القاهرة شارع الجلاء رقم بريدي11511 الأهرام المسائي فاكس:25791761 تليفون:0227703100 01223920261